لماذا نشيخ؟ خبراء يحاولون معرفة كيف تتغير بيولوجية أجسامنا مع تقدمنا في السن، وما إذا هناك طرق لإيقاف هذه التغيرات
25 مارس 224
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
المقالة رقم 92 لسنة 2024
Why Do We Age? Scientists Are Figuring It Out: Researchers are investigating how our biology changes as we grow older — and whether there are ways to stop it.
March 25,2024
وفقاً لبعض التقديرات، ينفق الناس 62 مليار دولار سنوياً على ”مكافحة الشيخوخة،“ لكن على الرغم من أن الكريمات وصبغات الشعر والبوتوكس [علاج تجميلي للحد من تجاعيد الوجه [1] ] يمكن أن تعطي انطباعاً شبابيًا، إلا أن أياً منها لا يستطيع أن يعيد عقارب الزمن إلى الوراء.
باحثون يعملون على محاولة فهم العوامل البيولوجية المسببة للشيخوخة على أمل أن يتمكنوا في يوم من الأيام من تطوير أدوات لإبطاء أو إيقاف مظاهر الشيخوخة، والأهم من ذلك كله، الحد من الأمراض المصاحبة للشيخوخة [2] . غالبًا ما تسمى هذه الآليات الأساسية ”بالعلامات المميزة للشيخوخة“ [3] . وتنقسم الكثير من آليات الشيخوخة إلى فئتين عريضتين: التلف العام على المستوى الخلوي، وتضاؤل قدرة الجسم على إزالة الخلايا والبروتينات القديمة أو المختلة وظيفيًا.
”الشيء الحاسم في السمات المميزة للشيخوخة هو أنها أشياء تصاب بالخلل الوظيفي أثناء مرحلة الشيخوخة، وإذا استطاع المرء أن يعكسها، فمن شأنه أن يعيش لفترة زمنية أطول أو سيتمتع بصحة جيدة مع تقدمه في السن،“ حسبما قالت السيدة ليندا بارتريدج Linda Partridge من قسم العلوم الحيوية في جامعة كوليدج لندن والتي ساعدت في تطوير إطار للسمات المميزة للشيخوخة.
إلى حد الآن، أجريت بحوث على الحيوانات في المقام الأول، لكن الخبراء يتوسعون تدريجياً في أبحاثهم لتشمل البشر. في هذا الأثناء، معرفة كيف تجري عملية الشيخوخة يمكن أن تساعدنا في وضع النصائح والمعلومات بشأن ”الاختراق العلمي“ الأخير الذي تحقق في هذا السياق، كما قال ڤينكي راماكريشنان Venki Ramakrishna، باحث في الكيمياء الحيوية والحائز على جائزة نوبل والذي كتب عن العديد من السمات المميزة للشيخوخة في كتابه الجديد، ”لماذا نموت؟“: علم الشيخوخة الجديد والبحث عن الخلود [4] .
لقد سألنا خبراء عن السمات المميزة للشيخوخة، وكيف يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالأمراض وكيف يحاول الباحثون تعديل تلك السمات. لن تدرج جميع السمات المميزة للشيخوخة في هذا التقرير، ولكن سلطنا الضوء على محورين رئيسيين أدناه.
تبدأ العديد من التغييرات المرتبطة بالشيخوخة في خلايانا، وحتى جيناتنا، التي تتضرر وتكون لافتة للنظر مع تقدمنا في السن.
على الرغم من اعتقادنا بأننا جيناتنا قد حُسمت وحُددت منذ ولادتنا، فإن الحمض النووي يراكم التغييرات التي تطرأ عليه على مر السنين. في بعض الأحيان تحدث أخطاء عند انقسام الخلية، ويظهر خطأ استنساخي تلقائي عند تنسُّخ الحمض النووي من خلية إلى أخرى. يمكن أن تحدث الطفرات أيضًا نتيجة للتعرض للعوامل البيئية، مثل الأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن الشمس.
خلايانا لها طرقها لإصلاح هذه التحورات الجينية، لكن عملية الإصلاح تصبح أقل كفاءة مع التقدم في السن، مما يعني أن الأخطاء يمكن أن تتراكم عبر السنين. الباحثون لا يزالون غير متأكدين تمامًا من سبب تدهور آليات إصلاح الحمض النووي البشري. وقال أندرو ديلين Andrew Dillin، أستاذ علم الأحياء الجزيئي والخلوي بجامعة كاليفورنيا في بيركلي: ”هذا سؤال جدًا مهم“. ”كل ما نعرفه هو أن الكفاءة تنخفض مع التقدم في السن.“
والتبعات الرئيسة لذلك هي أن الخلايا تتوقف عن القيام بوظائفها بالشكل الصحيح وُتصنف على أنها نفايات [من خلايا مختلة]. وفي أسوأ السيناريوهات، يمكن أن تحدث تحورات جينية في الجينات التي تثبط تكوِّن الأورام السرطانية، مما يؤدي بالتالي إلى ظهور خلايا سرطانية.
في كل مرة تتضاعف «تتنسخ» فيها الخلية ويستنسخ حمضها النووي، تصبح نهايات كروموسوماتها أقصر قليلاً. تسمى هذه الأجزاء الخاصة من الجينوم ب التيلوميرات وغالباً ما تُشَبَّه بالنهايات البلاستيكية لأربطة الأحذية، والتي تحفظ هذه الأربطة من التفكك.
بمجرد أن تصبح تيلوميرات الخلية قصيرة جدًا، تتوقف الخلية عن الانقسام. تعتبر هذه العملية صحية عندما نكون صغارًا، لأنها تساعد على منع الخلايا من التناسخ «التضاعف» إلى الأبد والتحول إلى خلايا سرطانية. ولكن مع تقدمنا في السن، يصبح قصر التيلوميرات مشكلة، خاصة في الخلايا الجذعية، التي يستخدمها الجسم لتجديد الجلد والدم والأنسجة الأخرى.
تمتلك الخلايا الجذعية أداة خاصة لمكافحة عملية قصر التيلوميرات، لكنها في النهاية تفقد هذه الخلايا الجذعية تيلوميراتها. وقال الدكتور ديلين: عندما يحدث ذلك، «لم تعد قادرة على الانقسام، وبالتالي يفقد الشخص مجموعات خلاياه الجذعية».
استنفاد الخلايا الجذعية يعد سببًا رئيسًا لبعض مظاهر الشيخوخة المادية، بما في ذلك ظهور الشعر الأبيض وترقق الجلد وانخفاض مستوى مرونته. بعض منتجات العناية بالبشرة تدعي أنها تحل محل الخلايا الجذعية، ولكن لا توجد أدلة كافية على فعاليتها تدعم هذا الادعاء.
تحدث تغييرات أخرى من خلال ما يعرف باسم التخلق المتعاقب [6] epigenetics، وهي تعديلات كيميائية تجري على الجينوم تؤثر في أي الجينات تنشط وأيها يخمد في الخلية. تحدث بعض التغيرات المتعلقة بالتخلق المتعاقب بشكل طبيعي أثناء نمونا، بينما تحدث تغيرات أخرى بسبب بيئتنا. يقول بعض الخبراء أنه يمكن توظيف التغيرات المتعلقة بالتخلق المتعاقب لمعرفة ”السن البيولوجي [عمر الخلايا] [7] “ للشخص.
اكتشف باحثون أن العديد من الآليات المتعلقة بالتخلق المتعاقب التي تساعد في التحكم في نشاط خلايانا وحتى نوعها تبدأ في التدهور مع التقدم في السن. لو حدث هذا في عدد كبير جدًا من الخلايا، فقد يؤثر ذلك في صحة الأعضاء ووظيفتها. على سبيل المثال، يمكن أن تتسبب التغيرات المتعلقة بالتخلق المتعاقب في خلايا القلب في زيادة سماكة الشرايين أو انخفاض قدرة القلب على الاستجابة بشكل إيجابي لممارسة التمارين الرياضية.
هناك حاليًا طفرة في الأبحاث الجارية على مضادات الشيخوخة تبحث في التغيرات المتعلقة بالتخلق المتعاقب لأن بالإمكان عكسها بسهولة أكثر من بعض التغيرات الأخرى، مثل تحورات الحمض النووي، " كما قال الدكتور إريك ڤيردين Eric Verdin، رئيس معهد باك Buck لأبحاث الشيخوخة.
أحد العناصر المهمة لصحة الخلية هو إنتاج الطاقة، والذي تقوم به الميتوكندريون «المقتدرة» [8] - والتي تعتبر بمثابة محطة توليد الطاقة في الخلية. مع تقدمنا في السن، تتوقف الميتوكندريون أيضًا عن العمل، وتصبح أقل كفاءة وتنتج طاقة أقل كما كانت من قبل.
يقول الدكتور ڤيردين، الذي يعمل مع شركتين تعملان على تطوير أدوية مضادة للشيخوخة: «إذا لم ينتج المرء ما يكفي من الطاقة، فستتوقف فجأة جميع العمليات الخلوية الأخرى عن العمل بكفاءة».
وقال الدكتور ديلين إن التغيرات في الطاقة الخلوية يمكن أن تؤثر في جوانب أخرى من صحة الخلية، بما في ذلك التخلق المتعاقب. يمكن أيضًا أن تتسرب الميتوكندريون التالفة إلى خارج الخلية، مما يتسبب في حدوث التهابات، وهو جانب آخر من جوانب الشيخوخة يرتبط بالعديد من الحالات المرضية المزمنة.
تعتبر التمارين الرياضية المنتظمة - أهم توصيات الخبراء لمكافحة الشيخوخة بشكل صحي - واحدة من أفضل الطرق لتحسين صحة الميتوكندريون.
لا يقتصر الأمر على أن الخلايا المتضررة تتراكم مع التقدم في السن بسبب المشكلات المذكورة أعلاه، ولكن طريقة الجسم في التخلص منها تفشل أيضًا.
واحدة من أهم الطرق التي يتم بها التعامل مع الخلايا المعطوبة هي نقلها إلى حالة تعرف بالهرم «الشيخوخة» «8». تتوقف هذه الخلايا عن الانقسام، وتبدأ بإفراز مواد كيميائية التهابية تعطي اشارة للجهاز المناعي للتخلص منها.
في العادة، هذه لا تمثل مشكلة - في الواقع، تعتبر جزءً ضروريًا من الدورة الطبيعية «دورة تجدد» للخلايا [دورة الخلايا هي عملية إنتاج خلايا جلدية جديدة لتحل محل خلايا الجلد الموجودة؛ وهي عملية حيوية للحفاظ على البشرة ناعمة وصحية ونضرة «10»] - ولكن مع تقدمنا في السن، يحدث أمران. أولًا، هناك حاجة للتخلص من المزيد من الخلايا. ثانياً، يبدأ جهاز التخلص من الخلايا التالفة في التدهور. ونتيجة لذلك، تتراكم الخلايا الهرمة، مما يتسبب ذلك في المزيد من الالتهابات.
وقال ماثيو كايبرلاين Matthew Kaeberlein، الرئيس التنفيذي لشركة أوبتيسبان Optispan لأبحاث طول العمر والمدير السابق لمعهد أبحاث الشيخوخة الصحية وطول العمر بجامعة واشنطن: «عندما نكون صغارًا، عادة ما يكون جهازنا المناعي قادرًا على التعامل مع الخلايا الهرمة». "ولكن مع تقدمنا في السن، فإن جهازنا المناعي لم يعد قادرًا على القيام بتلك الآلية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الالتهابات المزمنة. لذلك تتراكم الخلايا الهرمة، مما يؤدي بعد ذلك إلى المزيد من الضرر، والمزيد من الالتهابات، وفاعلية الوظيفة المناعية تصبح أقل.
يستكشف الباحثون طرقًا لتقوية عملية التخلص من الخلايا الهرمة باستخدام صنف من الأدوية يُعرف بمضادات «مؤخرات» الشيخوخة [11,12]، على الرغم من أن البحوث لا يتال في مراحلها الأولية.
تقوم معظم الخلايا بوظائفها عن طريق البروتينات التي تصنعها.
من الطبيعي أن تصبح البروتينات - مختلة التطوي [13] - وهناك الكثير من الطرق لإصلاحها. ولكن، مرة أخرى، تبدأ هذه العمليات في الانخفاض مع تقدمنا في السن، وتتراكم البروتينات المختلة التطوي وتسبب مشكلات. أحد الأمراض البارزة المرتبطة بالبروتينات المختلة التطوي هو مرض الزهايمر، حيث يشكل بيتا أميلويد [14] وبروتين تاو [15] لويحات وتشابكات في الدماغ.
إحدى الطرق التي يتخلص بها الجسم من البروتينات مختلة التطوي، بالإضافة إلى الأجزاء الأخرى المختلة من الخلايا التي لا تقوم بوظائفها بالشكل الصحيح، هي من خلال عملية تعرف باسم الالتهام الذاتي [16] . قال الدكتور راماكريشنان: «الالتهام الذاتي هو العملية التي يتم من خلالها تدمير كل هذه الأجزاء المختلة في الخلية». ”وإذا عبث الشخص بهذه الآلية، فسينتج من ذلك تراكم نفايات داخل الخلية، والذي يسبب في حد ذاته بإجهاد في الخلية ويسبب الشيخوخة.“
تتدهور عملية الالتهام الذاتي مع التقدم في السن. بعض الأدوية الخاضعة للدراسة بسبب تأثيرها في الشيخوخة، وأبرزها الراباميسين [17] rapamycin، تزيد من عملية الاتهام الذاتي. ومع ذلك، في الجرعات الكبيرة، يثبط الراباميسين الاستجابة المناعية «يستخدم الراباميسين في المقام الأول لمنع رفض الجسم للعضو المزروع»، لذلك يشعر بعض الباحثين بالقلق بشأن تناول الأشخاص الأصحاء هذا الدواء.