آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 1:42 ص

عجينة طرية

وسيمة عبيدي * صحيفة اليوم

دعيت لحضور حفل عقد قران ابن إحدى الأقارب، فلبيت الدعوة. كان العروسان صغيرين جداً في السن وبالأخص العروس التي كانت لا تزال تدرس في المرحلة المتوسطة. وعلى الرغم من الجرأة التي أصبحنا نراها في الأجيال الجديدة ذكوراً وإناثاً إلا أن تلك العروس كانت خجولة جداً لدرجة أن إحدى الحاضرات علقت أن العروس مرتبكة كطفلة لا تريد من أمها الابتعاد عنها... المسكينة. كل ما ذكرته للآن يعتبر مقبولاً، لكن ما أعتبره غير مقبول هو عندما قفزت أم العريس لتقول: ”بالعكس، كلما كانت صغيرة كان أفضل، لأنها ستكون عجينة طرية يستطيع ابني تشكيلها كما يحب!“ باركت لأم العريس ودعوت للعرسان الجدد بالتوفيق وخرجت من الحفل وأنا أفكر في تلك المخلوقة التي خلقها الله بكيان وروح مستقلين ووهبها العقل والمشاعر وتعب أهلها في تربيتها حتى اكتسبت شخصية معينة ثم يأتي هذا الشخص وأهله ليعتبروها ”عجينة طرية“ يعجنها كما يحب! استغربت كثيراً من طريقة التفكير تلك. إذا كانت تلك هي طريقة تفكير الآباء، فكيف سيفكر أبناؤهم؟

من المؤلم جداً عزوف الأجيال الجديدة عن الزواج والالتزام وتكوين أسرة وتحمل المسؤولية، لكن من المؤلم أكثر تزويجهم صغاراً وبدون أي تعليم أو تهيئة تعدهم لفهم ما هم مقبلون عليه وتؤهلهم لتحمل المسؤولية فتكون النتيجة ارتفاع معدلات الطلاق. وما أسوأ من الطلاق إلا الطلاق بعد إنجاب الأبوين اللذين لا يزالان طفلين ويحتاجان لتربية، لأطفال يحتاجون لتربية!

في الحقيقة، أنا من أكبر المشجعين على الزواج والإنجاب في سن صغيرة والذي من فوائده التأقلم مع الحياة الزوجية والتزاماتها، عصمة الشباب من الوقوع في الخطأ، إعطاء فرصة أكبر للزوجين لفهم بعضهم البعض، توطيد العلاقة بين الزوجين، ترسيخ الألفة، تطور الزوجين ونضجهما سوياً، الإنجاب في سن مبكرة عندما تكون أجسادهم قوية ولديهم الوقت والطاقة الكافية للعمل وللاهتمام بأطفالهم وتربيتهم صغاراً، ثم صحبتهم كباراً.

نحن نعيش في زمن شاعت فيه فكرة أن من لم يتخط سن ال 18 فهو لا يزال حدثاً، أي صغير السن. قال رسول الله ﷺ: ”أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين..“. فإذا اعتبرنا من هو في ال18 صغيراً، لا يعمل وما زال صغيراً على الزواج، فقد اختزلنا ثلث عمر الإنسان في فكرة وأبقينا له 40 سنة ليعمل وينتج ويتزوج وينجب ويربي.

وعلى الرغم من كل الفوائد التي ذكرتها أعلاه، يبقى نجاح الزواج المبكر مشروطاً بتربية وتعليم الأجيال القادمة وتأهيلهم للدخول للحياة الزوجية بثقة وإكسابهم المهارات والسلوكيات التي تبنى عليها العلاقة الزوجية الناجحة. تثقيف الشباب من سن مبكرة بخصوص الغرض من الزواج وأهميته، والصعوبات والتحديات التي من الممكن أن تواجه الشريكين، وترسيخ فكرة أن الزواج هو رباط مقدس من الله تعالى يجب على الشريكين فيه المحافظة على احترام، وتقدير ودعم، وليس طحن وعجن وتشكيل وخبز بعضهم بعضاً.