آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 9:38 م

فرح النخل

محمد العلي * مجلة اليمامة

حين ذكر الأحساء، تسرع إلى الذهن أطياف النخل. والتمر، وكأنهما مترادفان. كان ذلك في الماضي، أما الآن فقد كبرت الصورة، وأصبحت تعني الإبداع شعرا وتمثيلا. بالإضافة إلى ما كانت تعنيه تاريخيا من معان كثيرة. وكان لابد للإطار النظري أن يتمدد ليحيط بتلك الصورة النامية أبدا، أي لابد أن تتمدد رؤيتنا لهذا البلد السخي؛ للحاق برؤية نموه الدائم.

في فترة قصيرة تنفَّست أمامي دواوين وقراءات لشاعرات وشعراء زاروني من الأحساء، ثم بعد أيام، انعقد في بيتي مجلس ضم من الذين أبدعوا مسلسل «خيوط المعازيب» مبدعين اثنين هما الفنان حسن العبدي، والفنان عبد المحسن النمر، وكان الجميع يحملون على وجوههم، فرح النخيل.

الظاهرة الملفتة في ديوان الشاعرة نورة النمر «مرايا الماء والرماد» هي البوح الذاتي، أحلاما ومشاعر وتناقضات، فرحا وحزنا، وتأوهات ناضجة تلمح فيها جمرة الحب، ورماده معا. وحين يشرف زورق الأحلام على الغرق يلوح لها فنار الشعر، فتهتف: «الشعر/ نار وماء/ وحرقة وانطفاء / وبلسم وجراح / وحاجة واكتفاء / الشعر بحر بكاء / والغوص فيه غناء» إن هذا البوح بالمتناقضات يعبر، عن وجدان هو الآخر يعاني قلقا وجوديا، لا ملجأ منه غير الشعر، أو الخروج من الزمن «سأحتاج أن أرسم الآن بابا / يؤدي إلى غير هذا الزمان» إلى أين يا نورة؟ خذينا معك.

الشعر نبعه ذاتي بالطبع، ولكن مصبه المطلق الاجتماعي، أما إذا كان مصبه الذات تحول إلى ما أسميه نرجسية شعرية. إن من يقرأ الشعراء قديما وحديثا، يجد ألوانا من هذه النرجسية التي تلبس الشعر، ولعل ما نراه هنا هو مجرد عدوى. تقول حوراء الهميلي:

«أرى صورتي فوق سطح المياه

فأعجب بي

ثم أذكر نرسيس

وهو يمد يديه ليصطاد صورته من خلالي»

يغري عنوان ديوان نورة النمر «مرايا الماء والرماد» بطرح الأسئلة: ترى ما هي هذه المرايا؟ فإذا كان الماء هو المرآة الأولى لرؤية الوجوه، فما هي مرآة الرماد؟ ويمكن تلمس الإجابة من قول نورة نفسها: «أصغي إلى الكون في أنقى سرائره / كل الجهات كنايات تغني لي» فإذا كان كل شيء كناية عن شيء ما، فالرماد قد يعني الجهد المبذول للنجاح في شيء ما، وأسفر عن رماد الفشل، وقد يعني رؤية ماضي الشجر الذي التهمته النار، وكان مزهوا بثماره. هذا وأعتذر للشاعرات الأخريات؛ لأنهن لم يتركن عندي نصا مكتوبا، ولا أستطيع تقويم نصوصهن بالسماع.

كاتب وأديب