الاستغلال المالي: نحو بيئة عادلة واقتصاد مستدام
يمثل الاستغلال المالي مشكلة عالمية ذات تأثيرات بعيدة المدى على الأفراد والمجتمعات واقتصاد الدول. ولهذا تُجسّد الجهود المتضافرة لمكافحة الاستغلال المالي في المملكة العربية السعودية انسجاما عميقا مع الأهداف الأوسع لرؤية السعودية 2030. تهدف هذه الاستراتيجية الوطنية الطموحة إلى تنويع الاقتصاد وتحسين قطاعات الخدمات العامة ورفع مستوى معيشة المواطنين من خلال تعزيز مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر وأمة طموحة. وتتوافق المبادرات التي تستهدف الحد من الاستغلال المالي مع أهداف رؤية 2030 المتمثلة في الجانب الاقتصادي والإصلاح القانوني وتعزيز الرفاه الاجتماعي، مما يعكس التزاما ليس فقط بتحويل الاقتصاد السعودي ولكن أيضا بضمان الأمن المالي والاستقلالية لجميع مواطنيه.
يتمحور الاستغلال المالي حول ممارسة السيطرة في بعض بيئات العمل، التلاعب بالصلاحيات والنفوذ في العلاقات المهنية حيث يتجلى ذلك عندما يستغل طرف ما سيطرته المالية على طرف آخر، ويقيده للوصول إلى المعلومات أو الموارد المالية في منشأة ما للحفاظ على موقعه القوي أو تعزيزه بدون وجه حق.
في مجال الأعمال، يمكن أن ينشأ الاستغلال المالي من عدم توازن القوة، حيث يمكن أن يستغل المدراء في مناصب السلطة لمنشأة ما مناصبهم للسيطرة المالية على الآخرين. ويتوافق ذلك الإساءة حسب مفهوم ”السيطرة على الموارد المالية تعادل السيطرة على الموظفين“. ومن هنا يتم استغلال ضعف الطرف الآخر، حيث يتم اختيار الضحايا من بعض الموظفين في كثير من الأحيان بسبب ضعفهم الملحوظ أو محدودية معرفتهم وفهمهم بالشؤون القانونية والمالية والإدارية. وهذه استراتيجية مشابهة لضمان سيطرة المدراء من خلال إبقاء موظفيهم في جهل مستمر بحقوقهم وفرصهم للنمو وللتطور.
وتعكس الأسباب الجذرية للاستغلال المالي الرغبة في السيطرة المطلقة والهيمنة من قبل بعض المدراء على موظفيهم مع الافتقار لوعي بعض موظفيهم، وهذا يخلق بيئة خصبة للاستغلال المالي. ويمكن التلاعب بشكل استراتيجي للحفاظ على القوة، وهو عمل يعكس اكتساب واستغلال القوة والحفاظ عليها ضد الآخرين. والجدير بالذكر، يمكن للاستغلال المالي في بعض المنشآت أن يظهر بطرق مختلفة ومتعددة، تراوح من تأخير أو عدم دفع الرواتب بشكل كامل إلى التمييز في الأجور أحيانا بدلا من الحفاظ والتركيز على الكفاءة والأداء. وهذه الأساليب تضع بعض الموظفين في وضع ضعيف، مما يخلق اعتمادا ماليا غير مرغوب فيه. إضافة إلى ذلك، يتم إجبار بعض الموظفين أحيانا على العمل ساعات إضافية دون تعويض عادل لهم، أو يتم توظيفهم تحت مسميات عقود مستقلة أو غير حقيقية ولكن تأخذ طابعا قانونيا للتهرب من دفع المزايا القانونية لموظفيهم، مما يؤدي إلى فقدان الأمان الوظيفي والمزايا المالية لهم. ونتيجة لذلك، يمكن أن يواجه العديد من الموظفين اقتطاعات غير قانونية من رواتبهم لأسباب غير واضحة أو مبررة أو حتى من دون موافقتهم.
آثار الاستغلال المالي تمتد لتشمل ليس فقط الأفراد الذين يخسرون استقلاليتهم المالية ويعانون من الضغط النفسي وعدم الاستقرار المالي على المدى الطويل، ولكن أيضا المجتمعات بأكملها حيث يتم تعطيل الشبكات الاجتماعية ويتأثر التوظيف والتعليم وينعكس سلبا على كاهل المجتمع. وعلى نطاق أوسع، يؤدي الاستغلال المالي إلى تقليل الإنتاجية نظرا للضغوط النفسية والمالية التي تؤثر على الموظفين، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة. ويساهم هذا الاستغلال في زيادة معدل دوران الوظائف التي تكلف المنشآت موارد ضخمة في التوظيف والتدريب، بينما يقلل الاستغلال المالي من القدرة الشرائية للموظفين، مما يؤثر سلبا على الطلب الاستهلاكي ويؤدي إلى ضعف النمو الاقتصادي. ولهذا، المزيد من الأفراد يمكن أن يصبحوا معتمدين على الدعم الحكومي، مما يزيد الضغط على النظم الاجتماعية والخدمات العامة.
ولأن الاستغلال المالي مشكلة عالمية ولها تداعيات كبيرة على الأفراد والمجتمعات، تعمل الحكومة على معالجة هذه القضية من خلال نهج متعدد الأوجه يركز على التعليم وتعزيز الوعي المالي والاقتصادي والحماية القانونية لتشمل:
• التعليم والتوعية: التركيز على الثقافة المالية لتمكين العاملين في شتى القطاعات بالمعرفة اللازمة للتعرف على الاستغلال المالي ومقاومته. ويعتبر هذا النهج محوريا لاستراتيجية المملكة الأوسع للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي.
• الحماية القانونية: توفر الإصلاحات القانونية المهمة والكبيرة في المملكة، بما في ذلك سعي الحكومة الحثيث لتحسين وإشراك دور المرأة ومشاركتها الاقتصادية، إطاراً لمكافحة الاستغلال المالي. وتعكس هذه الجهود فهما أوسع للجهود الرامية إلى نظام قانوني قوي للحماية من الاستغلال.
وأخيرا، يعد مكافحة الاستغلال جزءا من أجندة أوسع للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في البلاد. من خلال التركيز على التعليم والحماية القانونية وخدمات الدعم لمكافحة الاستغلال المالي حيث تتخذ المملكة العربية السعودية خطوات كبيرة نحو خلق بيئة اقتصادية مرنة وشاملة. هذه الجهود التي تقوم بها الحكومة هي ضرورية لبناء مجتمع تكون فيه الفرص الاقتصادية متاحة للجميع ليتم دعم وتمكين المواطنين لتطوير إمكاناتهم الكاملة. وبينما تواصل المملكة تنفيذ هذه الإصلاحات وغيرها بموجب رؤية 2030، فإن المملكة تضع سابقة لاستراتيجيات التنمية الوطنية الشاملة التي تعالج القضايا الاجتماعية مثل الاستغلال المالي بشكل مباشر، مما يمهد الطريق لمستقبل أكثر ازدهارا يعود بالفائدة على جميع شرائح المجتمع.