مذكرات أمل «17»
خرجت من المستشفى وعقلي مشوش، أفكر في العملية، أفكر في نورة وما آلت إليه، وكيف أصبحت بهذه الحالة...
وصلت السيارة... رأيت سكيورتي «رجل الحراسة» يصرخ في وجه السائق ويطلب منه أن يتحرك بالسيارة خارج المستشفى، والسائق يقول أن المريضة ستحضر حالاً... وصلت للسيارة وقلت للسكيورتي: ماذا في الأمر؟!
نظر إليّ وقال: آسف لم أكن أعرف أن السيارة خاصة بك... آسف جداً...
قلت له: عليك أن تدقق على السيارات التي تقف في المواقف الخاصة بنا، تعبنا ونحن نبحث عن موقف قريب من مدخل العيادات.
قال السيكورتي: آسف مرة أخرى.
نظرت إليه... صعدت السيارة...
سألني السائق هل ترغبين بالذهاب للعمل؟!
قلت: لا... خذني للبيت...
وصلت البيت، ألقيت بنفسي على السرير.. أشعر بصداع وتعب...
جاءت أمي سألتني ما بك يا أمل؟!
أجبتها لا شيء فقط تعب... ازدحام الطريق والحر الشديد... أريد أن أغفو قليلا...
قالت أمي: ساعدك الله يا ابنتي...
غفوت... لم أستيقظ إلا العصر...
خرجت إلى الصالة كان أبي وأمي يشاهدان التلفاز...
قالت أمي: كيف حالك الآن... هل نتناول وجبة الغذاء، نحن ننتظرك...
قلت: لا أشعر بالجوع... ولكني أعاني من صداع...
قال أبي: ارتاحي يا ابنتي...
نظرت إليهما وقلت: إلى متى سأظل على هذا الحال؟! كرسي... قسطرة... زيارات متعددة للمستشفى... لقد تعبت...
اليوم أخبرني الدكتور باهر بإمكانية إجراء عملية جراحية... ربما تكون هي الحل...
سألتني أمي: عملية جراحية.. لساقيك أم ماذا؟
قلت: للتخلص من القسطرة يا أمي... عملية توسعة للمثانة..
قال أبي: عملية جراحية! لا بد من السؤال ومعرفة تفاصيل العملية...
قلت: يمكن أن تذهبا معي في الموعد القادم وتسألا الدكتور...
قالت أمي عليك الآن أن تأكلي... ربما الصداع بسبب الجوع يا ابنتي...
قلت: أنا لم أتناول أي طعام منذ الصباح...
قال أبي: أيعقل هذا... هيا يا أم خالد جهزي لنا الغذاء... عليك يا أمل أن تكفي عن التفكير وتتناولي غذاءك...
بعد الغذاء تصفحت الواتساب... رأيت رسالة المساء من صديقتي وفاء، لقد اعتادت أن ترسل لي يومياً رسالة إيجابية تبعث على الأمل والتفاؤل وها هي رسالتها تقول: ”ابتسم ودع كل من حولك يبتسم لأجلك، ابتسم فإنّ في الابتسامة راحة وصحة، ابتسم ودع الحياة تشرق لك بألوانها الزاهية، ابتسم ودع الفرح ينعش روحك، ابتسم وتوكل على الله وتفاءل، ابتسم وتذكّر أنّ بعد العسر يسراً“.
أرسلت إليها يا لك من رائعة يا وفاء... شكراً لهذه الرسالة الجميلة...
...........
مضت الأيام ولا زلت أحتفظ بفكرة العملية... قلت في موعد تغيير القسطرة سوف أستشير الدكتورة جمانة مرة أخرى..
لكن للأسف حضرت لقسم المسالك ولم أجد الدكتورة... غيرتُ القسطرة وخرجت...
عند خروجي مررت بقسم التغذية، ابتسمت وقلت بقي هذا القسم لم أزره... خرجت إحدى الموظفات فسألتها: كيف يمكنني أن أعرف وزني؟!
أجابتني: يمكنك الذهاب للعيادة، هناك اختصاصي التغذية سيساعدك...
ذهبت لعيادة التغذية... طرقت الباب...
استقبلني الاختصاصي... سألني أهلا بك... هل عندك موعد؟
أجبته: لا ولكني أريد أن أعرف وزني فقط.
ابتسم وقال تفضلي... هل يمكنك الوقوف؟
قلت: لا...
صمت وسألني عن رقم ملفي...
أخبرته برقم الملف، وبدأ يقرأ ملفي الطبي من «الكمبيوتر»... ثم قال: أمل مصابة بالصلب المشقوق «Spina bifida» منذ الولادة وهي تتابع في عدة عيادات بالمستشفى ولا تستطيع الوقوف... إذاً عليها أن تذهب لقسم غسيل الكلى...
أخذ سماعة الهاتف وطلب الممرضة كلثم.
تحدث معها... أخبرها أن لديه مريضة تحتاج أن تعرف وزنها.
أغلق الهاتف وقال: عليك أن تذهبي لقسم غسيل الكلى.
قلت له: ماذا تقول؟! أريد فقط معرفة وزني!
ابتسم وقال: وهناك ستعرفين وزنك... لا تقلقي... لديهم كرسي الوزن «Chair scale» لمثل حالتك... يمكنك الذهاب الآن، وسآتي إليكم بعد أن أكتب بعض الملاحظات.
ذهبت لقسم غسيل الكلى وسألت عن الممرضة كلثم...
جاءت كلثم وسلمت عليّ وقالت أنت المحولة من قبل الاختصاصي رضي؟!
لم أكن أعرف اسمه، ولكني قلت لها نعم... هل اسمه رضي؟!
أحضرت كلثم كرسي الوزن «Chair scale» وطلبت من ممرضتين مساعدتها في حملي ووضعي على كرسي الوزن... لحظات حتى قالت: وزنك 74.300 كيلوجرام.
في هذه الأثناء جاء اختصاصي التغذية وسأل كلثم: كم وزنها؟
قلت له: وزني 74.300 كيلوجرام وهذه هي المرة الأولى التي أعرف فيها وزني... ما هي الخطوة الثانية؟
ابتسم وقال: لنعود للعيادة ونتحدث عن الخطوة الثانية...
عدنا للعيادة بعد أن شكرت الممرضة كلثم...
قال الاختصاصي: لديك زيادة في الوزن وهذا طبيعي بسبب حالتك الصحية، ويمكن أن تتخلصي من 5 كيلوجرامات ويكون وزنك أقل من ال 70 وهذا مناسب جداً...
سألته هل تعطيني نظاماً غذائياً؟!
قال مبتسما أنت تحتاجين إلى فيتامين «أ»
قلت له وما هو هذا الفيتامين أين أجده في الخضار أو الفواكه؟!
قال: فيتامين «أ» هو: إرادة، إصرار، استبدال، اختيار، اعتدال، استمرار.
قلت له ماذا تقصد بهذه الكلمات؟
ابتسم وبدأ يشرح كل مفردة...
كان حديثه مشوقاً... محفزاً... في ختام الحديث قال: وأنت أمل... ستصلين للوزن الصحي إن أنت طبقت هذه المفردات...
خرجت من عنده وقلت سأعمل بما يقول... وسأصل للهدف سأنقص وزني...
خرجت من المستشفى وأنا أفكر في هذا الفيتامين... هل يمكن أن أطبقه في حياتي؟!
قررت أن أبدأ التغيير... عدت للبيت وتخلصت من جميع الحلويات، وقلت لأمي: من اليوم لن آكل حلويات...
قالت أمي: هل أصبت بالداء السكري؟!
ضحكت وقلت: لا يا أمي... ولكن قررت أن أتخلص من السمنة...
ضحكت أمي وقالت: سمنة... أين السمنة يا ابنتي.... ولكن الاعتدال في الطعام هو الحل الصحي...
بدأت النظام الصحي.. في البيت، وفي العمل، لم أعد أتناول الحلى مع زميلاتي حتى قالت وفاء ما بك، هل أنت مريضة سكري؟!
قلت لا ولكن الصحة في الابتعاد عن الحلويات...
كانت تجربة جميلة رغم صعوبتها والمغريات التي واجهتني خلال شهر...
بعد شهر قابلت الدكتور باهر سألني هل قررت إجراء العملية، قلت سأتخذ القرار اليوم مع عائلتي...
بعد الانتهاء من عيادة المسالك كنت متلهفة لمعرفة وزني، هل نقص أو أنه ثابت... ذهبت لقسم غسيل الكلى وقابلت كلثم وساعدتني في الجلوس على كرسي الوزن.. وكانت المفاجأة نقص وزني 2 كيلوجرام... فرحت كثيراً وقررت أن أقابل اختصاصي التغذية... ذهبت للعيادة ولكني لم أجده... سألت عنه فقالوا إنه في إجازة... قلت في نفسي... هذه البداية وسأستمر رغم الصعوبات...
..................................
عدت للبيت وكنت سعيدة من هذا الإنجاز الذي حققته في التخلص من 2 كيلو... وبقي أن أقرر أن أجرى العملية مهما كلف الأمر...
تحدثت مع عائلتي وأبلغتهم عن قراري في إجراء العملية... قلت لهم: أنا مقتنعة بالعملية وأنها الحل لإنهاء معاناتي مع القسطرة...
لم توافق أمي على القرار ولكني أخبرتها بضرورة حضورها معي في الموعد التالي لتسمع رأي الأطباء في ذلك...
ذهبت مع والداي لمقابلة الدكتور باهر والدكتور أسامة، وكانت معهما الدكتورة جمانة... سعدت بمقابلتها..
قلت له: دكتور أرجو منك أن تشرح لوالداي تفاصيل العملية...
ابتسم الدكتور وبدأ يشرح لهما التفاصيل...
قال الدكتور أسامة: العملية هي الحل... لا تقلقا.. أمل هي أختنا...
كنت أنظر إليهما... وأرى ملامح وجهيهما... وكنت أنظر لدكتورة جمانة وهي تبتسم لي...
أخيراً تم القرار... سأجري العملية...
تم تحويلي لعيادة التخدير... وقابلت الدكتور وتم إجراء الفحوصات اللازمة ثم قال: سيتصل بك أحد الأطباء ليخبرك عن نتيجة الفحوصات وموعد العملية...
كنت أنتظر هذا اليوم... أترقب أي اتصال... أذهب للعمل وبين لحظة وأخرى أنظر للجوال أخشى أن يتصل أحدهم وأنا مشغولة عنه وأخسر فرصة الدخول لإجراء العملية...
جاء يوم الخميس وفي الساعة العاشرة رن هاتفي.. رفعته، وبدأت ضربات قلبي تزداد... الخوف يسيطر عليّ.. كنت خائفة أن تكون الفحوصات غير مناسبة لإجراء العملية...
تحدث الطبيب قائلاً: اسمي الدكتور عالي من قسم المسالك البولية، هل يمكنك الحضور اليوم للمستشفى، يوجد سرير شاغر...
قلت: ماذا.. لم أفهم ما تقول... أعد كلامك لو سمحت...
قال: يوجد سرير شاغر ويمكنك الحضور اليوم لإنهاء إجراءات التنويم...
سقطت دموعي... لم أعد أستطيع الكلام... حتى تماسكت نفسي وقلت... اليوم الخميس وأنا غير مستعدة هل يمكن تأجيل حضوري ليوم الجمعة أو السبت؟!
أجابني: يمكنك الحضور يوم الأحد...
قلت له الأحد سأكون عندكم بإذن الله...
سقطت دموعي... أخيراً سأجري العملية... ماذا أفعل الآن... سأذهب للمديرة أخبرها...
ذهبت للمديرة وأخبرتها بموعد دخولي للمستشفى... نظرت إليها وقلت: العملية صعبة وأرجو منك أن تدعو لي، وأن تسامحيني على أي تقصير صدر مني تجاه العمل أو أي خطأ صدر مني تجاهكم، كنت خير مديرة... تفهمت حالتي الصحية وكانت خير معين لي طيلة هذه السنوات... سقطت دموعي ومن ثم شكرتها...
قالت: لا داعي لمثل هذا الكلام، أنت أختنا والله يمن عليك بالصحة والعافية... ولم نجد منك سوى الجد والاجتهاد والأخلاق الفاضلة...
خرجت من غرفتها وصرت أتجول في المركز أسلم على الزميلات أودعهم... أخبرتهم أني سأجري عملية... بكى بعضهن...
وصلت لغرفة صديقتي وفاء... وقفت عند الباب لم أستطع الكلام.. دموعي على خدي... قلت: وفاء سأعمل العملية... يوم الأحد سأدخل المستشفى..
نهضت وفاء من مكانها وقالت: جاءك الفرج... ربي يسهل أمرك...
قلت: وفاء يا عزيزتي... سامحيني إن كنت أخطأت في حقكم يوما ما...
قالت وفاء: لا تقولي هذا وكأنك تودعينا وداعاً نهائياً...
لم أستطع الكلام...
نظرت إليها وقلت: سامحوني...
خرجت من عندها صرت أودع كل شيء في المركز الطالبات... الكافتيريا... الحديقة التي كنت أتمشى فيها... وكل زاوية في هذا المركز لها ذكرى طيبة في قلبي...
ركبت السيارة، قلت للسائق... إلى البيت...
همسة أمل
لا تفقد صبرك مهمَا تأخر عليك الفرَج، فما بين حلمك وتحقيقه إلا صبرٌ جميل.
للقصة بقية