إمام الحوار الصادق (ع)
في زمن الحوارات الفكرية والثقافية والدينية فهل هناك ضابطة نتكئ عليها في حواراتنا نستفيدها من حياة الإمام الصادق ؟
إن أجمل صورة للحوار هي قول الله تعالى:
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [النحل: آية 125].
هذه الآية الكريمة نقف معها وقوف المسؤولية أمام من نحاوره إذا أردنا أن نكون متبعين مسلّمين لله ولرسوله ﷺ وأهل بيته .
وهنا نحلل ماذا تريد منا الآية إذا صرنا في مقام الدعوة إلى الله تعالى:
1- أن نكون على قدر كاف ٍ من العلم والتقوى والورع لنكون مؤهلين لأن نكون دعاة إلى الله سبحانه وعماد هذا هو الصلاح في القول والعمل.
2- تؤكد الآية الكريمة على أن يكون الحوار مبنياً على الحكمة وهو وضع الشيء في موضعه ولا يتم ذلك إلا بمعرفة الصالح من الفاسد والتمييز بينهما بشكل دقيق بل أبعد من ذلك الصالح والأصلح والفاسد والأكثر فساداً فيعرف الأسلوب الأمثل للتعامل مع من يحاوره الذي يعطي طابعاً للطرف الآخر أن هذا الإسلام يحمل قيماً ومبادئ منعكسة على متبعيه فيظهر بصورة مشرقة من التوازن النفسي والعصبي والسكينة والهدوء والصمت حتى تنتهي حجة الآخر واختيار أفضل العبارات وأوجزها وأبلغها حجة على الآخر.
3- ثم تؤكد الآية الكريمة ﴿وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ .
ليكن الحوار مبنياً على النصيحة الصادقة والرحمة والشفقة وعدم الانتصار للذات والغلبة بل البحث من أجل الوصول للحقيقة وعدم تقوية الحجة بإسقاط الآخرين بل لما يملك من قوة في الدليل وأبلغ في البيان.
وقد جسد ذلك مولانا الصادق في كل حواراته مع من يختلف معهم حتى شهدوا وأذعنوا له الكل حتى الملاحدة.
ونذكر هنا شاهداً جميلاً جدا يشهد فيه أبو العوجاء الملحد لأحد تلامذة الصادق الذي أغلظ له في الكلام بكلمات تكتب بماء الذهب وكأنه يجسد الآية الكريمة في شخصية الإمام الصادق
حيث كان مصداقاً جلياً، لقوله تعالى: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ ، وعرف عنه هذا الأمر، فلم يكن يستخدم العنف اللفظي مع أحد من الناس ولا سيما محاوريه، ولا يتمكن أحد من استدراجه ليقع في فخ الانفعال والغضب، وهذا ما شهد به أحد كبار الملاحدة، ففي أحد حوارات تلميذ الإمام المفضل بن عمر مع ابن أبي العوجاء نجد أنّ المفضل يقسو على ابن أبي العوجاء، ويُغلظ له في القول مستخدماً عبارات من قبيل: ”يا عدو الله، ألحدت في دين الله وأنكرت الباري جل قدسه..“
فيجيبه ابن أبي العوجاء قائلاً: ”يا هذا إن كنت من أهل الكلام كلمناك، فإن ثبتت لك حجة تبعناك، وإن لم تكن منهم فلا كلام لك، وإن كنت من أصحاب جعفر الصادق فما هكذا يخاطبنا ولا بمثل دليلك يجادلنا، ولقد سمع من كلامنا أكثر مما سمعت، فما أفحش في خطابنا ولا تعدى في جوابنا، وإنّه للحليم الرزين العاقل الرصين، لا يعتريه خرق ولا طيش ولا نزق ويسمع كلامنا ويصغي إلينا ويستغرق حجتنا حتى إذا استفرغنا ما عندنا وظننا أنا قد قطعناه أدحض حجتنا بكلام يسير وخطاب قصير يلزمنا به الحجة ولا نستطيع لجوابه رداً، فإن كنت من أصحابه فخاطبنا بمثل خطابه“ «بحار الأنوار ج 3 ص 58».
هذا الكلام من الملحد يلخص لنا شخصية الإمام الصادق فأبرز أهم الخصال في الحوار:
1- أنه لا يفحش في قول
2- حليم رزين عاقل رصين
3- مستمع جيد لحجة مخالفيه فلا يقطعه حتى ينتهي من بيان حجته حتى يظن من يحاوره أنه قد غلبه.
4- فإذا نطق تكلم بكلمات قصيرة عميقة في نفوس من يختلف معه غزيرة في دلالاتها بالغة في حجتها قاطعة في بيانها فلا يكون بعدها تعليق بل إذعان وتصديق وإيمان وأنه الصادق حتى يقال في حقه
ذرية بعضها من بعض فالله أعلم حيث يجعل رسالته فهو من بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
علينا أن نقتدي بهذا الإمام العظيم الذي تسالم أهل المشرق والمغرب من مختلف التيارات الديانات والمذاهب على علمه وتقواه وصدقه. كما ذكر غير واحد من علمائنا حيث
هكذا هم أهل البيت كالشمس ترسل نورها لكل الناس، المؤمن منهم والكافر، البر والفاجر، أو كالمطر الذي يروي ظمأ البلاد وعطش العباد دون تمييز بين غني أو فقير، ولقد كنت تجد في طلاب الإمام الصادق - الذين قيل أنهم بلغوا ما يزيد على أربعة آلاف شخص - الفقيه والمتكلم والمفسِّر والأديب والمؤرخ.
والحمد لله رب العالمين.