مستشفى تاروت «بالربيعية» من أوائل المؤسسات الحضرية
- الحفاظ على اسمه... يشير إلى أحد مكتسبات الوطن
- لنحتفل جميعاً بانتصار البشرية على الأوبئة الفتاكة
تتفوق جزيرة تاروت بعدد سكانها، على قريناتها في المنطقة حيث يبلغ عدد سكانها وفق التعداد السكاني الأخير 117,646 نسمة.
وأشارت النتائج الإحصائية في المملكة العربية السعودية إلى أن عدد السكان في المنطقة الشرقية بلغ 5,125,254 نسمة، وتضمّ محافظة القطيف عدداً من المدن والبلدات، حيث يبلغ عدد سكان جزيرة تاروت 117,646 نسمة، كأكبر تجمع سكاني في منطقة القطيف، بينما بلغ عدد سكان عنك 20,038 نسمة، والقطيف «الوسط» 87,332 نسمة، والأوجام 16,147 نسمة، وسيهات 84,818 نسمة، وأم الساهك 15,378 نسمة، وبلغ عدد سكان صفوى 45,676 نسمة، والنابية 13,018 نسمة، والعوامية 26,276 نسمة، وأم الحمام 12,818 نسمة، والقديح 22,492 نسمة، والتوبي 8,801 نسمة، والجش 22,986 نسمة، وحلة محيش 7,287 نسمة، والجارودية 20,986 نسمة، والخويلدية 6,578 نسمة، والملاحة 5,544 نسمة.
لهذا السبب، وأسباب أخرى تتعلق بالبيئة، والعمق التاريخي والحضاري للجزيرة، ووجود العديد من الكنوز الأثرية جاء تركيز حكومة خادم الحرمين الشريفين، ممثلاً بإمارة المنطقة الشرقية، لتطويرها كوجهة حضرية للسياحة، في مكانه الصحيح والمناسب.
وإذا ما عدنا إلى الوراء قليلاً، فسنلحظ أن ثمة مكتسبات حضرية في هذه الجزيرة، ندعو للحفاظ عليها وتطويرها بما يتناسب مع متطلبات العصر الحديث.
في هذه العجالة سنلقي الضوء على أحد مكتسبات هذا الوطن الحضرية في العناية بالإنسان منذ بدايات انضمام القطيف إلى مناطق المملكة العربية السعودية.
لا نعلم متى أسس مستشفى جزيرة تاروت، أغلب الآراء ترجح أن المستشفى أقيم وفعّل في العام 1376 هج، وهناك بعض الآراء تقول إن المستشفى افتتح في العام 1375 هج، ويذكر لنا الحاج عبد علي آل سيف، أن مدرسة تاروت الابتدائية، ومستشفى القطيف المركزي «في صورته الأولى» الذي كان موجوداً بجانب دوار المركب وسط القطيف حالياً. قد بنوا في وقت واحد هذا العام «1376 هج».
إن بناء مستشفى في جزيرة تاروت في هذا الوقت المبكر، يعود الفضل فيه إلى جهود الوجيه والوطني الكبير والمتنبه إلى الحاجات المجتمعية المرحوم الحاج محمد تقي آل سيف وأصدقائه، لقد كان متحركا وفاعلاً في وقت كانت فيه المواصلات سيئة، وجزيرة تاروت معزولة ومحاطة بالبحر إلا أن إصراره، ومطالبته أديا إلى إنجاز هذا الصرح الحضاري، خصوصا إذا ما أخذنا في عين الاعتبار الأمراض والأوبئة التي كانت منتشرة في ذلك الوقت.
المستشفى بحجمه الصغير الذي لم يتعد 40 سريرا، إلا أنه لعب دورا مهما في مواجهة المشكلات الصحية التي تواجه سكان جزيرة تاروت، فكان يباشر ولادات الأمهات، ومكافحة الأوبئة، وإجراء عمليات اليوم الواحد وهي كثيرة.
أقول إننا كنا محظوظين في المنطقة بالنظر إلى وجود دكاترة مشهورين، مروا وأقاموا في المنطقة، إضافة إلى الإرساليات الصحية التي كانت تزور مناطقنا، وتضع خلاصة تجاربها
كانت معظم مناطق المملكة موبوءة بمرض الملاريا، وكانت أغلب مناطقها تمثل بؤرًا لنقل المرض، حيث سجلت المملكة في عام 1998 م، ما زاد على 40 ألف حالة ملاريا محلية، كانت تمثل تهديدًا لحياة 12 مليون شخص، هم السكان المعرضون لخطر الإصابة بالمرض آنذاك، خصوصًا في المناطق الجنوبية والغربية والشرقية.
وكان العالم يكافح مرض اسمه شلل الأطفال، وانتظروا طويلاً إلى أن وصل العام 1988 حين أعلن أنه استطاع أن يقضي على 99% من أسباب المرض، والوقاية منه.
وابتليت الجزيرة العربية بكثير من الأوبئة، نذكر منها: الطاعون، والجدري، والإنفلونزا، لدرجة أن انتشار مثل هذه الأوبئة وآثارها على السكان أصبحت تؤرخ وتُعتمد تقويماً دقيقاً يحدد كثيراً من الأحداث السياسية والاجتماعية، مثل سنوات الوفيات والمواليد والزيجات، وغيرها من الأحداث والمناسبات.
وبادر الملك عبد العزيز باتخاذ إجراءات عملية وفق الإمكانات المتاحة في ذلك الوقت، ففي عام 1939 عندما حل وباء الجدري على المملكة كما غيرها من بلدان الجزيرة العربية، أقرّ الملك المؤسس على جناح السرعة سلسلة من الآليات التي تساهم في سلامة السكان من خلال استقدام الأطباء وتأمين التطعيمات ضد «الجدري»، وخصص في الرياض مكاناً لإيواء المرضى وعلاجهم وإطعامهم بما يماثل الحجر الصحي المعمول به حالياً، رغم ضعف الإمكانات الطبية والعلمية في ذلك الوقت، وافتقارها وسائل العزل الحديثة.
وعن هذا الإجراء يذكر المؤرخ الدكتور ناصر الجهيمي، أنّه في عام 1939 انتشر وباء الجدري في البلاد، فراح ضحيته كثير من الناس في نجد وغيرها من بلدان الجزيرة العربية، ما أدى إلى نزوح المرضى وأهاليهم إلى العاصمة طلباً للعلاج، فاستوطنوا منطقة الشمسية في الشمال الشرقي من الرياض وخارج أسوارها، ونزلوا على حافة وادي البطحاء، فرأى الملك عبد العزيز أن ينزلهم في وقف والده الإمام عبد الرحمن الفيصل، المسمى «قصر ثليم»، ليصبح مأوى ومطعماً لهم، وحصراً للمرض في مكان واحد، وليتمكّن الأطباء من مراقبتهم ومعالجتهم. ووصف الجهيمي هذه البادرة بأنّها خير وبر ووفاء من الملك عبد العزيز لوقف والده الإمام عبد الرحمن الفيصل، مشدداً على حرص الملك عبد العزيز على حصول السكان على التّطعيمات ضد الجدري منذ وقت مبكر. [1]
لكن المستشفى لم يدم طويلا ولأسباب مجهولة، ربما بعضها يعود إلى نوعية البناء، وعوامل المناخ ومنها الرطوبة العالية، وقرب المستشفى من سواحل البحر أدت إلى تصدعه وانهياره، وضعف الحفاظ على الحديد بعيدا عن الصدى، وضعف الرقابة على المقاولين كل هذه الأسباب وغيرها أدت إلى تصدع المبنى بعد مضي أكثر من عشر سنوات، وترك هكذا إلى أن أزيل بالكامل في العام 1402 هج.
وكانت هناك مطالبات كثيرة لإعادة بنائه، إلا أن توجهات وزارة الصحة، والتفكير ببناء مستشفيات كبيرة لا يقل سعة أحدها عن 100 سرير، إضافة إلى البحث عن أرض حكومية يقام عليها هذا الصرح أدى إلى تعطيل إعادة بناء هذا الرمز التاريخي.
والحقيقة أن معاملة إعادة بناء مستشفى بدأت منذ عام 1387 هج، ومازالت موجودة في إدارة الميزانية والمشاريع التابعة للشؤون الصحية.
وأن وزارة الصحة الموقرة سبق أن أخطرت في خطاب يحمل رقم «41/9/20457» بتاريخ 20/3/1432 هـ بأنها قدمت طلباً إلى أمانة المنطقة الشرقية لتخصيص أرض وشرائها من مواطن لإقامة المستشفى عليها.
واليوم حيث تنبثق في بلادنا مبادرات وشراكات من رجال أعمال أخذوا على عاتقهم الإحسان للمجتمع ومواجهة احتياجات أبناء المجتمع الصحية في جزيرة تاروت والمناطق المحيطة بها.
ومن المبادرات التي نأمل أن توفق وتكمل بخير، والتي تؤسس بشكل تشاركي بينهم وبين مجلس إدارة تجمع الشرقية الصحي، مبادرة أبناء المرحوم الحاج أحمد آل نوح رحمه الله، ومنها مبادرة رجل الأعمال الحاج أحمد منصور الصادق لإقامة صرح صحي في جزيرة تاروت.
فإنني آمل أن لا تضيع هذه الإنجازات الحضارية التي تمثل التاريخ الصحي في المنطقة، حتى لو علق ذلك الاسم رمزاً... محتفلين به نحن جميعا «والأجيال القادمة»، كتاريخ من العناء والتغلب على الآفات الفتاكة، والأيام الصعبة، من وباء الجدري، والملاريا، وشلل الأطفال، إلى الأنيميا، والجي سكس بي دي «G6bd»، حمى الله الجميع منها، ومن غيرها من الابتلاءات الدنيوية... ولا أتصور أن ذلك صعب أو مستحيل. والله الموفق.