الكابوس
أراد ابن سيرين أن يفسر الكابوس، ولكنه بقي حائرا حيرة دائرية، لا يعرف كيف يخرج منها؛ لأن الكابوس لا يستقر على حال، فهو أسود وأربد، وأعمى وأشدد، ودائري ومربع، وفظيع وأفظع. فماذا يفعل؟ فتح عينيه على مصراعيهما وقال: لابد أولا من معرفة حالة الحالم قبل النوم؛ ما نوع طعامه؟ هل نام ضاحكا مع زوجته أم فاقدا لضلع من أضلاعه؟ هل هو من أصحاب البيوت العالية أم الأكواخ، والجالسين على الرصيف «يبيعون أذرعهم» كما يقول سعدي يوسف؟ وهكذا بقي في هذه الهلهل.
فشلت محاولة ابن سيرين في القبض على الكابوس وهو يقظان، ولكنه لم ييأس، فقرر أن يتراجم مع زوجته بحجارة من جمر ثم ينام، وبعد أن أدمى رأسها وأدمت رأسه، نام وحاول، أن يصطاد في نومه كابوسا ويفسره، ولكنه تخيل أحلاما زاهية سارة، تخيل كأن زوجته تسابقت مع القمر، أيهما أجمل، فهزمت القمر، وأنهما يتضاحكان على سرير من ماء،، فجأة شع في داخله ضوء صوفي، وسمع صوتا يرتفع من داخله قائلا: أنت حاولت تفسير «كابوس النوم» في اليقظة ولم تحاول تفسير «كابوس اليقظة» لذلك فشلت. فقام من كرسيه، وقد زادت عيناه اتساعا، وصرخ: من أنت؟ فجأة رأى أمامه من يضع على وجهه قناعا من الأكاذيب ليستر بذلك أنيابه، ففغر ابن سيرين فمه وقلبه، من هذا الذي ليس إنسانا ولا وحشا، بل هو خليط منهما فراح يردد من أنت؟
أنا كابوس اليقظة.
هل أنت من البشر أم من الوحوش؟
أنا منهما معا.
لماذا أنت مشوه هكذا؟
لأني مجموع من كل الجهات، فأنا مثل أوزوريس الذى جمعت أشلاءه إيزيس من كل مكان في العالم،
أراك تتقن العربية بفصاحة ولثغة؟ فمن أين لحقتك هذه اللثغة؟
أتقن العربية لأن أشلائي تجمعت في البلاد العربية، أما اللثغة فهي ظل من اللغة «العبرية»
لماذا استوطنت البلاد العربية؟
لأنهم كرماء، ينشدون دائما:
«يا ضيفنا لو جئتنا لوجدتنا / نحن الضيوف وأنت رب المنزل» بالإضافة إلى حبهم للنوم، ولم يكونوا كالذئب، «ينام بإحدى مقلتيه ويتقي / بأخرى الأعادي فهو يقظان هاجع»