عقلية الدكاكين أو الصوامع في مجالس الإدارات
يعرف التصومع Siloing بأنه تشكل تكتلات منعزلة في الجسد الإداري الواحد. وهو مرض غير خاص بالمجالس الإدارية ويمكن أن يتشكل في جميع الهيئات والمنظمات والوحدات الإدارية، والتصومع ترجمة رائجة من كلمة Silos في اللاتينية والتي تعني حرفيا الصوامع كصوامع الغلال «كما في الصورة أعلاه». وربما يقاربها في الثقافة الشعبية كلمة «الدكاكين» للإشارة للتفرق وعدم الاندماج. طفت على السطح لبعض الوقت أيضا لفظ «الشللية» في مجالس الإدارات على اعتبارها مشكلة وهي نوع من التصومع قائم على الصداقة والشلة ولكن كلمة التصومع أعم إذ يمكن أن يتصومع أعضاء المجلس لأسباب أخرى سنستعرض بعضها هنا.
سنركز هنا الحديث عن التصومع في مجلس الإدارة. ينبغي للمجلس كهيئة حاكمة للمنظمة غير الربحية أن يعمل كجسد واحد لأن سلطته جماعية وقرارته تصدر بأغلبية أعضائه لكنها ملزمة لجميع من في الهيئة. التصومع يصيب المجلس بالكساح ويفقده القدرة على الحركة. عمل المجلس قائم على التدفق الحر للمعلومات والتقارير والتشارك الشفاف في التقييم، والتصومع يعيق ذلك كله حيث تحاول الصوامع اختزان ما لديها من معلومات وتقارير وعدم مشاركتها للآخرين.
الأمر الآخر الذي يجب الالتفات إليه أن الدوائر المختلفة في أي منظمة «أو اللجان في حال المجلس» تشكل وحدة متكاملة يكمل بعضها بعضا. ضرب أحد المتخصصين مثالا لذلك بالأطباء المشرفين على حالة المريض. كل طبيب ينظر من زاويته ولكنهم يتفاعلون سويا لدراسة حال المريض. هذا التكامل مطلوب أيضا في الأجسام الإدارية والتصومع يمنع هذا التكامل وبذلك يمنع المعالجة الصحيحة لأي مشكلة قد تنشأ.
دعنا نفرق هنا بين التكتل الطبيعي على أساس الرأي ضمن لعبة التصويت الطبيعية التي يكون أساسها ودافعها مصلحة المنظمة قبل كل شيء وبين هذه الانحيازات المرضية التي لا يكون منشأها ولا دافعها مصلحة المنظمة. الخاسر الكبير في هذه الحالة هو المنظمة.
• صعوبة العثور على المعلومة. بسبب حواجز الصوامع داخل المنظمة، تختفي المعلومات والتقارير داخل الصوامع ويصعب العثور على ما تبحث عنه.
• عدم معرفة الجميع بالمبادرات الجديدة. فبينما يقوم فريق أو إدارة أو لجنة على مبادرة ما أو مشروع لا تشارك هذه المعلومات مع الفرق واللجان الأخرى. الطريف أن يسمع بعض الأعضاء عن بعض المبادرات والمشاريع من خارج المنظمة.
• التوافق على عدم التوافق. كل شيء يبدو هادئا ويسير على ما يرام. ليس ذلك لوجود التنسيق والانسجام بل ذلك يعود إلى التباين التام حيث كل واحد يسبح في عالمه الخاص غير آبه بغيره.
هناك عدة أسباب للتصومع داخل المجلس وتكوين جزر منعزلة حيث يراهم الناظر مجلسا واحدا ولكنهم في الواقع عدة مجالس في مجلس واحد. فما هي الأسباب والدواعي لذلك يا ترى؟ يمكن أن نفكر في بعض الأسباب التي تؤدي إلى هذه الحالة:
1. الشللية كما ألمحنا سابقا. الشللية تعني غياب التجانس داخل المجلس وقبولهم الضمني للعمل في مجموعات. قد يكون سبب التصومع في هذه الحالة العلاقات القوية والخاصة بين بعض أعضاء المجلس والمعرفة السابقة ببعضهم البعض. ليس هناك من خطأ في وجود علاقات سابقة بين بعض الأعضاء، ولكن المشكلة هي استعمال ذلك للتصومع والتكتل داخل المجلس وتكوين حواجز بين من هم داخل الشلة ومن هم خارجها. يجب أن يكون التعامل مع الأعضاء بمستوى واحد من الصراحة والشفافية وتبادل الرأي بغض النظر عن أي اعتبار شخصي.
2. قد لا يكون الأعضاء على معرفة سابقة ولكنهم بسبب غياب التجانس في الآراء والرؤى وبسبب صعوبة تبادل الآراء. في مثل هذه الأجواء يميل الأعضاء بمرور الزمن إلى التكتل والتصومع على أساس من التقارب الفكري وينتهي الأمر بتكون عدة صوامع داخل المجلس توافق سويا وترفض سويا.
3. في بعض المجالس التي تمر بقرارات صعبة ونقاشات حادة يتكون بمرور الزمن حواجز ونفور بين بعض الأعضاء ويصبح الحصول على توافق حول قرار ما أمرا عسيرا وتصبح كثير من القضايا التي تطرح على المجلس موضع شد وجذب كبيرين. في مثل هذه الظروف يصبح الخوف من الخلاف دافعا لبعض الأعضاء بالمبادرة في أخذ الأمر بيدهم وتنفيذه دون الرجوع إلى المجلس سواء عن طريق لجان المجلس أو الإدارة التنفيذية أو الرئيس.
4. الأجندات الخفية. قد يحمل بعض الأعضاء أهدافا خفية ومصالح شخصية في بعض قرارات المجلس ولهذا السبب يبعدون بعض التفاصيل عن بعض الأعضاء ويشاركونها مع أعضاء آخرين بناء على ولاء فردي أو مصلحة مشتركة أو قدرتهم على إقناعهم بسهولة. فتتكون مع سير العمل مجموعتان: مجموعة الغرض الخفي ومجموعة العمل الطبيعي. وهذه الحالة تعارض مصالح واضح ولكنه دائما ما يرفع بعناوين أخرى تظهر أن ما يتم التنافس عليه هو مصلحة المنظمة وليس منافع خاصة.
ماذا يمكن أن نعمل لمنع حدوث التصومع أو التقليل من آثاره. يجب أن ندرك أولا أن التصومع سواء في مجالس الإدارة أو الإدارات التنفيذية مرض إداري يجب أن لا نقبل به داخل منظماتنا وأن نعمل جادين للقضاء عليه.
أولا: يجب أن يكون واضحا ومنطوقا بصوت مسموع ورفيع أن ما يعلو ولا يعلى عليه هو المصلحة العليا للمنظمة. هذه المسطرة التي يجب أن يقاس بها كل عمل والتي يجب أن ترجح كل رأي يكون معها. هذا السؤال يجب أن يكرر في كل موقف تتفرق فيه الآراء وتتباعد فيه الرؤى - ما هو الأقرب لمصلحة المنظمة؟ وعلى قيادة المنظمة أن تبرز ذلك عمليا. أحد مظاهر الصدق في تطبيق هذا المبدأ هو التراجع عن الرأي إذا ظهر أن المصلحة في خلافه وعدم الإصرار على الرأي بشكل مطلق.
ثانيا: اتخاذ برنامج تعريفي متكامل للأعضاء حين قدومهم إلى المنظمة. هذا البرنامج التعريفي الذي يجب أن يمر به جميع الأعضاء يصبح هو القاعدة الموحدة التي يقف عليها الجميع. قد يكون لدى بعضهم معلومات مغلوطة عن المنظمة وطريقة عملها أو معلومات ناقصة عن طريقة اتخاذ القرار أو عدم إلمام بتاريخ المنظمة وطريقة عملها على مر السنين. يجب أن يساعد هذا الجهد في تقريب الآراء وردم الهوة والنظر إلى الواقع من عدسة واحدة.
ثالثا: لا يمكن التنكر للعلاقات الشخصية والأبعاد العاطفية في اتخاذ القرار. من المؤسف أن عقولنا لا تعمل بشكل آلي بسيط كما تفعل الحواسيب ولكن قراراتنا هي مزيج من معارفنا ومشاعرنا. ما يحمد في هذا الصدد وخاصة إذا ما جاء أعضاء المجلس من خلفيات مختلفة «خلفيات اجتماعية أو دراسية أو مهنية» أن يعمل على عدة جلسات خارجية للتعارف والتقارب والتآلف وردم الهوات بين الأعضاء بل ويجب أن يتكرر ذلك كلما حصل تغيير كبير في الاستراتيجيات والأهداف بحيث يعاد ضبط البوصلة بشكل سليم وموحد.
رابعا: تعزيز الجانب الأخلاقي في أعضاء المجلس. الميثاق الأخلاقي للمنظمة يجب أن يكون حاضرا في التعامل اليومي للعاملين فيها ومن المفيد تكرار ذلك على المجلس سنويا وإن بدا مملا. يجب أن يدرك الأعضاء أن قرارتهم يجب أن تنضبط بضوابط العدل والإنصاف والبعد عن النوازع والمصالح الشخصية والتحلي بفضيلة الاعتراف بالخطأ والتراجع. هذه المزايا الأخلاقية يجب ألا تغيب عن أجواء المجلس.