آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 2:20 ص

مذكرات أمل «15»

رضي منصور العسيف *

استيقظت في ذلك الصباح القائظ، كنت متعبة جداً... الألم يقطع بطني...

جاءت أمي سألتني ألن تذهبي للعمل...

قلت لها أشعر بالتعب... لقد ازداد الألم...

قالت: هل هو التهاب القسطرة...

قلت لا أعلم... ولكن الألم ليس في موضع القسطرة... أعتقد أنني بحاجة لدكتورة أمراض نساء...

شرحت لأمي المشكلة التي أعاني منها...

قالت أمي: علينا أن نذهب حالا لقسم الطوارئ أخشى أن تكون لديك مشكلة أخرى...

قلت لها: لا أريد الطوارئ... أريد حلا سريعاً... سأنتظر طويلا في الطوارئ وستكتفي الدكتورة بإعطائي مهدئات... سأتصل بالأخت «خلود» موظفة الاستقبال ربما تعرف دكتورة ماهرة في أمراض النساء...

اتصلت باستقبال المواعيد.. ولحسن حظي أجابتني خلود.. سألتها هل توجد اليوم عيادة أمراض النساء؟

أجابتني: نعم اليوم توجد عيادة... واسم الدكتورة «خلود» وهي ماهرة ولا أظنها تردك، فهي دكتورة متعاونة مع جميع المرضى... لحظات وأتحدث معها... وسأتواصل معك...

بعد ربع ساعة اتصلت بي خلود وقالت: الدكتورة خلود ترحب بك في العيادة.. يمكنك الحضور حالا...

ذهبت مع أمي للمستشفى... وسجلت في عيادة أمراض النساء «الدكتورة خلود»... بعد ساعة من الانتظار دخلت على الدكتورة... كنت متعبة... شاحبة...

ولكن الدكتورة قابلتني بابتسامة صادقة.. صافحتني... فوجدت في تلك المصافحة الحنان والصدق... والألفة والمحبة... وجدت نفسي أمام طبيبة ذات أخلاق عالية...

بدأت حديثها معي بكلمات هادئة.. أنت أمل وأنت الحياة، والأمل واليأس لا يجتمعان... هيا ابتسمي... الأمور ستكون إلى خير... أخبريني ما هي مشكلتك الصحية...

شرحت لها المشكلة الصحية وعدم انتظام الدورة الشهرية...

بدأت بمجموعة أسئلة...

كشفت على بطني...

نظرت إليّ وقالت: سنعمل لك أشعة ألتراساوند Ultrasound

يمكنك عملها الآن في قسم الأشعة... اذهبي الآن وسأتحدث مع الاختصاصي بضرورة عمل الأشعة الآن...

خرجتُ من العيادة وأنا لا أصدق... أيعقل أن تكون طبيبة بهذه الأخلاق...

.....................................

كنا ننتظر في قسم الأشعة وكان بجانبي طفلة على كرسي متحرك، لم ألتفت لتلك الطفلة فما أعانيه كان يشغلني عن النظر لمن حولي، ولكني سمعت والدتها تتحدث مع سيدة أخرى.. كانت تقول: نعم ابنتي منار كانت طفلة طبيعية، تمشي وتلعب، وكانت مثل الوردة الزكية، بل منار كانت مثال للحيوية والسعادة، ولكنها كانت تعاني من التهاب اللوزتين المتكررة، ولذلك ذهبنا معها لمستشفى خاص لإجراء عملية جراحية لاستئصال اللوزتين، دخلت غرفة العمليات ولكنها خرجت مصابة بشلل رباعي... ذهلنا مما حدث لمنار، كانت صدمة لا يمكنني أن أصفها لك... وبعد نقاش وسؤال الفريق الطبي اعترفوا بخطأ طبي أثناء العملية... ولا نزال نراجع المستشفيات والجهات الحكومية لمحاسبة المسؤول عن هذه الخطأ الطبي...

في هذه اللحظة قامت الأم ومسحت فم طفلتها منار... وقبلتها...

عند سماعي لهذه القصة نظرت للكرسي وألقيت نظرة عابرة على منار...

سقطت دموعي وقلت أهذه الطفلة الجميلة تكون مشلولة أيضا؟! حسبي الله على من تسبب في إعاقتك...

بدأت أفكر في حال هذه الطفلة وعدم قدرتها على مسح فمها بيدها...

بكيت...

قالت أمي لا تحزني.. عليك أن تتحملي الألم... يا ابنتي لحظات وندخل الأشعة وبعدها ندخل على الدكتورة....

قلت: يا أمي أنا لا أبكي من الألم ولكني أبكي لوضع هذه الطفلة...

في هذه اللحظة نادتني الممرضة لأدخل غرفة الأشعة... كنت أفكر في وضع تلك الطفلة وكيف يمكن مساعدتها... هل أطلب من والدتها أن تحضرها للمركز الذي أعمل به لتحصل على رعاية طبية وتعليمية جيدة...

قررت أن أطلب من والدتها ذلك بعد الانتهاء من عمل الأشعة...

خرجت من الأشعة ولكني لم أجد تلك الطفلة ولم أجد أمها... لا أعلم أين ذهبوا...

بقيت متألمة مما شاهدته أكثر من تألمي من الألم...

عدت للدكتورة خلود وأخبرتها بأني عملت الأشعة...

ابتسمت وقالت دعينا ننظر إليها...

نظرت للأشعة وصارت تدقق في الصورة...

ثم قالت: عزيزتي أمل... نتيجة الأشعة تظهر أن لديك كيس على المبيض حجمه 3 سم...

شهقت وقلت: ألا تكفي هذه المعاناة مع مرضي...

قالت الدكتور خلود: لا تقلقي سأصف لك علاجاً... سأصرف لك حبوب منع الحمل لمدة 3 شهور

ضحكت أمي وقالت: دكتورة.. أمل ليست متزوجة...

ابتسمت الدكتورة خلود وقالت: أعرف ذلك ولكن هذا هو العلاج لمثل حالتها... الحمد لله الحالة ليست خطرة وستكون أمل بخير بعد ثلاثة شهور...

سأكتب لك إجازة مرضية ثلاثة أيام.. أراك متعبة وربما هذه الإجازة تفيدك كثيرا..

خرجت من عيادة الدكتورة وأشعر براحة نفسية.. ولكن صورة منار لم تغب عن ذهني...

في هذه الأثناء اتصلت بي وفاء وقالت أخبريني كيف هي صحتك الآن..

أجبتها الحمد لله.. لقد كتبت لي الدكتورة إجازة مرضية 3 أيام..

ضحكت وفاء وقالت ستنفجر نورة من الغضب...

ضحكت وقلت لتفعل ما يحلو لها..

....................

بعد ثلاثة أيام ذهبت للعمل..

ذهبت لمكتب نورة.. وجدتها متأهبة للصراخ.. قلت لها هذه إجازة مرضية رسمية لا داعي للكلام القاسي..

قالت: أعرف أن لديك واسطة..

لم أرد عليها بكلمة.. وذهبت لمكتبي وبدأت عملي كالمعتاد..

جاءتني المشرفة على الأنشطة التي ينظمها المركز.. قالت وهي مبتسمة مبروك يا أمل وصلتك شهادة شكر وتقدير نتيجة اجتهادك معنا في البازار الأخير. أنت تستحقين هذه الشهادة.

أخذت الشهادة.. قرأت الاسم.. ابتسمت وقلت لها: شكرا لك ولهذا الشعور الجميل.. ولكن هذه الشهادة لموظفة أخرى هناك اختلاف في اسم العائلة..

قالت: آسفة ظننت أنها تخصك.. أردت أن أدخل السرور على قلبك

أجبتها جزاك الله خير.. جعلك الله ممن ينشر السعادة..

بعد ثلاثة شهور راجعت الدكتورة خلود.. وأعادت عمل الأشعة فكانت النتيجة الشفاء من ذلك الكيس وبدأت الدورة الشهرية تنتظم والحمد لله...

منذ ذلك اليوم وعلاقتي بالدكتورة خلود علاقة طيبة ومستمرة

مضت سنوات العمل في المركز بين مد وجزر بين الطالبات والموظفات..

في أحد الأيام جاءت المديرة وقالت يوم الخميس القادم سنعمل حفل تكريم للأستاذة نورة.. ستغادرنا إلى وظيفة رسمية..

قلت في نفسي لن أحضر هذا الحفل.. يكفي ما لقيته منها من مشاحنات وقسوة.. سأعتذر بأن عندي موعد بالمستشفى..

تم عمل حفل التكريم ولكن لم يكن حفلا مبهجا لقد تغيب عن الحضور مجموعة من الموظفات ممن كانت علاقتهم بالأستاذة نورة علاقة متوترة...

لقد غادرتنا الأستاذة نورة بعد سنوات من العنف مع الموظفات.. حتى قالت إحدى الموظفات أشعر أنني أتنفس هواء نقي..

بعد عام عرفنا من بعض الموظفات أن الأستاذة نورة قد تزوجت.. ولكن الفرحة لم تكتمل.. بعد شهور من الزواج أصيبت بحادث مؤلم دخلت على إثره للعناية المركزة.

تأثرت عندي سماعي للخبر وقلت ربي يمن عليها بالصحة والعافية...

همسة أمل:

تعلم كيف تمارس عبادة الحمد، وتطلع على تفاصيل حياتك راضياً قانعاً بما تملك، ممتناً لما وهبك الله، لأنك تملك الكثير ولكن ينقصك التبصر.

للقصة بقية

كاتب وأخصائي تغذية- القطيف