تعزيز نمو الطفل المعرفي والعاطفي في مرحلة مبكرة من حياته من خلال التحول من الفضول إلى الاهتمام
6 مارس 2024
بقلم كريستين باولي
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
المقالة رقم 63 لسنة 2024
Transforming early learning through curiosity and interest
March 6,2024
Author: Christine Bowley
مقدمة [1]
الفضول [2] هو أحد العوامل الطبيعية للتعلم واكتساب المعرفة في السنوات الأولى من الحياة، حيث يجذب الأطفال للإنبهار والانتباه والوعي بموضوع معين. الاهتمام بموضوع معين [3] بما يتجاوز الفضول يأخذ الطفل إلى حالة دائمة من الاهتمام بأحد المواضيع. هذا التحول من الفضول إلى الاهتمام المستمر، يُعرف باسم الاهتمام الحقيقي «الأصيل» genuine interest،
الفضول والاهتمام عاملان يساهمان في النمو المعرفي والنجاح في عملية التعلم. يُنظر إلى ”الاهتمام“ على نطاق واسع على أنه عملية تحفيزية قوية تنشط عملية التعلم وتعتبر ضرورية للنجاح الأكاديمي لأن الطلاب الذين لديهم اهتمام حقيقي هم أكثر احتمالًا للانتباه والمشاركة والأداء الجيد في النهاية. على الرغم من أن الدراسات تحاول تعريف كل من الفضول والاهتمام، إلَّا أنه ليس من الواضح كيف يتطور الاهتمام، وأين يتموضع في عملية التعلم، وما هو التأثير المعرفي والعاطفي والسلوكي للاهتمام بموضوع معين، مما يوفر فرصة لاستكشاف أجوبة على هذه الأسئلة.
تطور الاهتمام في السنوات الأولى يعد، من منظور بيولوجي عصبي، فترة مثالية للتركيز على توليد الفضول وتنمية الاهتمام [بموضوع معين]. تفيد الأدلة البيولوجية العصبية بأن الأطفال الصغار يمرون بفترة حساسة أو حرجة من مراحل تطور اللغة، حيث تصبح عملية تشكُّل المشابك العصبية في قشرة الفص ما قبل الجبهي في ذروته بين سن سنة وبين 6 سنوات. لوحظ خلال هذه الفترة الحساسة، أن هذه القشرة تصبح مرنة للغاية بحيث يمكن تغيير هيكلها وذلك بعد تعريضها لمحفزات جديدة.
تعريف الفضول والاهتمام [1]
على الرغم من الاقتراحات بأن محاولة تعريف الفضول والاهتمام محفوف بمشكلات مثل عدم الموضوعية والغموض، قمنا بمراجعة الأدبيات ذات العلاقة لتعريف هذين المفهومين.
مفهوم الاهتمام ينطوي على عنصرين متميزين ولكنهما متشابهان، وهما الفضول والاهتمام. الاهتمام هو حالة نفسية من الانتباه والعاطفة تجاه شيء أو موضوع معين «اهتمام ظرفي - يثيره ظرف أو وضع معين»؛ والاستعداد الدائم للانخراط فيه مرة أخرى بمرور الزمن. في هذا البحث، يعتبر الاهتمام الظرفي مساوٍ للفضول - وهو تجربة مؤقتة للوقوع في أسر شيء معين. يحاول الفضول الإجابة على سؤال محدد بينما يبحث الاهتمام عن الكثير من المعلومات.
يوصف الفضول كظاهرة عابرة، حيث يتم جذب اهتمام الطفل لـ لحظات عابرة، أما الاهتمام، من جهة أخرى، فهو ظاهرة أكثر ديمومة. يجمع الاهتمام أيضًا بين الصفات العاطفية، مثل مشاعر المتعة والإثارة، وبين خصائص معرفية، مثل الاهتمام المركّز والقيمة المدركة. ولذلك فإن الاهتمام له مكوِّن سلوكي، كما يتضح من الاستعداد للتعامل مع الموضوع والانخراط فيه؛ ومكوِّن معرفي، أي أنه مصحوب بشكل من أشكال المعرفة حول موضوع الاهتمام؛ ومكوِّن عاطفي،
الفضول هو الشرارة الأولى التي تثير الاهتمام بموضوع معين. عندما يصبح الأطفال فضوليين، فمن الطبيعي أن يطرحوا أسئلة تتعلق بموضوع معين. ومع نمو اهتماماتهم، فإنهم ينخرطون بشكل أعمق، ويبدؤون في الكشف عن المعرفة الجديدة التي تغذي اهتمامهم بشكل أكثر. المكونات الثلاثة للاهتمام، السلوكية والمعرفية والعاطفية، كلها مكونات رئيسة للاهتمام ترتبط ببعضها البعض، يكتسب الأطفال المزيد من المعرفة والمهارات المتعلقة بموضوع معين، فإنهم غالبًا ما يشعرون بالكفاءة مما يعزز اهتمامهم ورغبتهم في مواصلة التعلم والاستكشاف. عندما يكون لدي الطفل علاقة عاطفية مع موضوع معين، يمكن أن يشعل حماسه لمعرفة المزيد عنه والتفاعل بنشاط معه.
الدراسة
وجد باحثون من جامعة غريفيث أن مفتاح تعزيز النمو المعرفي والانفعالي «العاطفي» لدى الطفل يكمن في تعزيز الاهتمام النشط بالموضوعات أو الأنشطة. [المترجم: النمو العاطفي [4] يعني التغير في السلوكيات المتعلقة بالمشاعر والعواطف عبر مراحل الحياة. بينما النمو المعرفي يشير إلى التغيرات في السلوكيات المتعلقة بالتعلم واكتساب المهارات عبر مراحل الحياة [5] ].
تعمقت الدراسة [1] في الطرق التي يتطور بها الفضول إلى اهتمام مستدام ويؤدي إلى ثقافة تعلم طويلة الأمد.
على مدى ثلاث سنوات، شارك 57 طفلاً يتراوحون في السن بين أربع وخمس سنوات في برامج إثرائية لمدة أسبوعين لـ 15 موضوعًا منفصلاً، لاكتساب أفكار حول كيف ينمي هؤلاء الأطفال الصغار اهتمامهم بأحد المواضيع.
وقالت الباحث الرئيس، الدكتورة كريستا ڤان أسويجن Christa van Aswegen من كلية التعليم والدراسات المهنية في جامعة غريفيث، السنوات الأولى للطفل تعتبر مرحلة حساسة جدًا من مراحل النمو. وقالت: ”الأطفال الصغار فضوليون بطبيعتهم، لكن الفضول يحتاج إلى شرارة تقدح شعلة الاهتمام“.
”تلك السنوات هي الفترة الأكثر أهمية لتنمية الاهتمام لأن الدماغ يصبح في أكثر حالاته مرونةً وقابليةً للتأثر السريع.“
وجد البحث أن الشرارة الأولى للفضول تأتي عادة من التفاعل الاجتماعي مع أحد الوالدين أو الوصي أو الجد أو المعلم أو الأصدقاء، حيث يوفر هذا التواصل ”نقطة جذب“ أولية وذلك بمشاركة شيء مثير للاهتمام مع الطفل.
على سبيل المثال، يمكن للوالدين قدح شرارة الاهتمام بالطيور [كواحد من مواضيع الاهتمام] وذلك بالإشارة إلى أنواع مختلفة من الطيور أثناء زيارة للحديقة أو المنتزه، وإخبار الطفل باسم كل طائر ولفت انتباهه إلى الأصوات التي يصدرها.
قالت الدكتور ڤان أسويجن: ”هناك جانبان مهمان لتنمية الاهتمام الحقيقي بأحد المواضيع لدى الأطفال: المعرفة والعاطفة“.
"المعرفة تعني تزويد الأطفال بشكل مقصود بالمصطلحات والمفاهيم الأساسية التي تسمح لهم بتبادل الأفكار والآراء حول مواضيع محددة، مما يدعم نموهم المعرفي [5] .
"العاطفة تشجعهم على الشعور بشيء ما تجاه الموضوع محل الاهتمام، مثل الاهتمام بالطيور في المثال السابق، ومن خلال الإحساس بمشاعر الدهشة والرهبة والشفقة أو بمشاعر الفرح والبهجة البسيطة، يتعلم الأطفال العناية بالموضوع محل الاهتمام، والرفع من قيمته ومستوى ارتباطهم به، مما يدعم نموهم العاطفي.
تجارب الحياة الواقعية مع العائلة والأصدقاء تعتبر تجارب ضرورية، لكن الدراسة سلطت الضوء على قيمة المواد التعليمية المتنوعة بما فيها الصور والقصص والأفلام الوثائقية والفن والموسيقى في تعزيز تنمية اهتمام الطفل بموضوع معين.
ووجدت أيضًا أن هناك قيمة كبيرة في تعزيز الاهتمام بمجموعة واسعة من المواضيع، حيث أكدت الدكتور فان أسويجن على حاجة المعلمين إلى التركيز على تنمية الاهتمام في السنوات الأولى، حيث من شأن ذلك أن يوفر العديد من نقاط البداية للتعلم وشبكة من المعارف والتي من خلالها يتمكن الطفل أن يتعامل مع الصعوبات التي يواجهها في حياته.
وقالت: ”في حين أن الدافع الخارجي [الدافع الذي يكون بسبب عوامل خارجية، إما أن تكون مادية كمبالغ مالية أو معنوية كالمدح] وراء الاهتمام في البداية، وبعد ذلك ينتقل الأطفال إلى الدافع الداخلي [حيث يكون الدافع دافعًا ذاتيًا] مع تعمق في مستوى فضولهم، مما يدفعهم بشكل مستقل «ذاتي» إلى البحث عن إجابات وطرح أسئلة“.
”كلما أصبح الموضوع أكثر إثارة للاهتمام بالنسبة للطفل، زادت الأسئلة التي يطرحها بشكل ذاتي، أو زاد تعمق بحثه عن إجابات لها، مما يؤدي إلى دورة متكررة من إشراك الأطفال في نشاط معين أو في التفاعل مع الزملاء أو المعلمين، أو التطلع إلى المواد لاستخدامها بطريقة مناسبة من الناحية التنموية [6] ] وإلى توسيع ثقافة التعلم.“