آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

الهاتف الذكي ومستخدمه ال…

المهندس أمير الصالح *

الهاتف الذكي ومستخدمه ال…

بقلم: م. أمير الصالح

حسن استخدام الموارد المتوفرة دليل على ذكاء وفطنة وتدبير وإدارة صاحبها لها. والعكس صحيح، فلعل أحد الأدلة على سفاهة أحد الأفراد أو المجتمع أو غباءه أو ضيق أفقه أو تقليده الأعمى هو محاكاته للآخرين في الاقتناء للأشياء الباهظة الثمن دون تحديد الأهداف والنتائج المرجوة أو الجدوى من ذلك.

ومن جملة الموارد المتوفرة في أيدي أغلب الناس في حواضرنا هو الهاتف النقال، الجوال المتطور. وقد اتفق العالم الأول على تسمية الهاتف النقال الحديث بالهاتف الذكي «Smart phone» لما فيه من مميزات عديدة وخصائص جمة وإمكانيات تقنية مذهلة وتطبيقات عصرية متعددة ترفع من مستوى الأداء والإنتاج وكفاءة إدارة الوقت لكل شخص جاد وحاذق ومهتم.

وفي المقابل لم يتفق العالم على أن كل مستخدمي الهاتف الذكي هم أذكياء بالضرورة، إلا إذا برهنوا على ذلك بحسن السلوك وجميل الصنيع وحذاقة التوظيف للجهاز وتطبيقاته!

نعلم بالضرورة أن أي شيء «أي علاقة» إذا كان حيازته/ الارتباط به يكلف أو يُكلف صاحبه استقراره وسعادته وماله ووقته وخصوصيته وأعصابه فإن ذلك عبء على صاحبه ويجب إعادة النظر في حيازته/ استخدامه/ الارتباط به.

بعد مرور ما يربو عن العقد من الزمن في توفر أجهزة الاتصال الذكية في أيدي معظم أبناء آدم في حواضرنا، نتساءل: هل حياة أغلب أصحاب الهواتف الذكية النقالة في مجتمعنا ومحيطنا أضحت أكثر راحة أم أنها قبل حيازة الهاتف النقال كانت أكثر راحة بال واستقرار؟ لا شك أننا ننجز بوجود الهاتف النقال أعمال أكثر ولكن السؤال هنا عن الراحة النفسية والاستقرار.

مع انتشار اقتناء الجوالات في أيدي الصغير والكبير من الناس ومع وجود باقات إنترنت اقتصادية مفتوحة المدة والسعة مغرية وفي متناول أغلب الناس، وجدنا صورتين متناقضتين:

1 - في بعض المجتمعات العربية المسلمة تسربت كمية هائلة من صور ولقطات تعبر عن الفضائح والوشايات والترويج للمشاهد المخلة بالذوق والخادشة للحياء والتفاهات والإسفاف والقذف والسباب والشتائم والتسطيح والخزعبلات والتراشق المذهبي والتناحر القبلي والانحياز الفظ للمناطق والنعرات القومية والانحراف السلوكي ونمو الهياط. وتلقى تلك المواد الإعلامية رواجًا كثيرًا بين جمهور ليس بالقليل. فأضحى جل أوقات بعض أفراد المجتمع العكوف على هكذا مواضيع وبشكل يومي مستنزف للوقت والعقل والمال. وأضحت أنفس بعضهم مصداق للمثل الأمريكي المعروف: All hat and no cattle.

2 - وفي المقابل انتشرت في مجاميع أخرى نشر لقطات ومقاطع ومحاضرات تروج للآداب السامية والذوق الرفيع والنظافة والمروءة والتعاون والمرجلة والثقة بالنفس والرحمة وسعة الأفق وتعميق الإيمان وحسن التبعل وأسس التربية الصالحة والتحذير من فخاخ الفتن والنهي عن الرذائل وحب نشر الفضائل والابتعاد عن التناحر بكل صنوفه.

ولكون الشريحة الأولى هي المقصودة بالمقال، سأستعرض بصورة موجزة سبل الإقلاع عن إدمان استخدام الهواتف الذكية فيما لا ينفع لعل المقال يلقى أصداؤه ولو بعد حين:

1 - قلل وقت التفاعل مع شاشة الهاتف الذكي بشكل تدريجي ومنتظم «راقب Screen time». واقترح تفعيل القوانين التالية بصرامة:

أ - منع استخدام الجوال قبل ساعة من النوم

ب - منع استخدام الجوال بعد ساعة من النوم

ث - منع التفاعل مع تغريدات ورسائل الواتس آب للآخرين إلا بحدود الضرورة القصوى وتحديد نافذة وقت

ج - الامتناع من الانخراط في نقاشات عقيمة أو مطولة أو مستفزة أو ساقطة أو مبتذلة

2 - قلل عدد التطبيقات من على سطح شاشتك الأساسية بحذف ما لا تحتاجه أو نادر الاحتياج إليه وبشكل تدريجي وتعهد ذاتي جاد وصارم. أو احجب التطبيقات فور الانتهاء من استخدامها لإنجاز مهمة محددة. وهناك تطبيقات عديدة تستخدم لتعينك على إنجاز ذلك مثل Forest … الخ.

3 - حدد اهتماماتك عند زيارتك للعالم الرقمي فقد يستنزف عمرك دون أن تشعر بذلك. فلا تكن عبثي وعشوائي ومشوش وتتنقل بشكل خاطف ومتعدد ومكثف وسريع ببن شاشات أخبار اقتصادية وصحية وسياسية ورياضية وعلمية وأدبية ومحلية وأخبار وفيات وفضائح مالية وأخلاقية وسياسية وأدبية وعروض خصم سفر ومطاعم ومفروشات ومطابخ … وتصفح لقطات مضحكة وقصص جرائم بشعة وثريد هنا وهناك …إلخ. فأنت لست مدير العالم! أزعم أن التنقل المفرط بين الأضداد في الأخبار والأضداد في العوالم واللقطات المثيرة للدوبامين بشكل مستمر يعني خلق اضطرابات نفسية في داخل نفسية الشخص.

4 - ألغي التنبيهات التي تردك من العالم الافتراضي فإنها تشتت انتباهك وتقتل تركيزك وتميت إنتاجك وتبعثر أوراقك

ختامًا، لديك هاتف نقال يُلقب بهاتف ذكي فكن أنت الأذكى منه بالسيطرة عليه بدل أن يسيطر هو ومنتجوه عليك. فإذا كان استخدام هاتفك يضغط عليك بشكل سلبي، فالوقت قد حان لفصله من حياتك بشكل هندسي وناجع. وهناك طريقة بسيطة لمنع الإدمان على الجوال:

أ - التخلص من السموم على وسائل التواصل الاجتماعي. أخرج التطبيقات السامة من هاتفك.

ب - امنح نفسك بدائل عالية الجودة من خلال الذهاب في أنشطة جسدية مثل المشي والسباحة والاستماع إلى البودكاست المفيد والحديث مع أفراد الأسرة في مواضيع مفيدة وبعيدة عن السوشيال ميديا والانخراط في أنشطة مع الأصدقاء. أو التطوع في الأعمال الخيرية.

ج - احجب أصحاب الرسائل الإلكترونية اليومية الكثيرة المشوشة لك وامتنع عن تفتح الروابط / المقاطع التي يرسلها الآخرون إلا حسب الضرورة.

د - لا تجعل أي شخص من العالم الرقمي يفرض أجنداته عليك أو يملي عليك ما تقرأه. فكن فطن وانتقي غذاءك الفكري بنفسك فأنت غير ملزم بقراءة كل ما يتم إرساله في القروبات العامة.

نعلم بأن هناك عدد كبير من الناس لا يكترثون بإهدار أوقاتهم على الهواتف الخلوية وأضحوا عبئاً على أهلهم ومجتمعاتهم لأنهم يطبقون شعار: Come what may ”يعني لا يكترثون بأي شي و“ اللي يحصل يحصل حسب لسان حالهم.

وأنا ثقتي بأن القارئ الكريم ومن يعزون عليه هو وهم جادون ومخلصون في تغيير سلوكهم واستثمار أوقاتهم نحو الأفضل. إذا كان لديك الهمة سعيا نحو القمة وإرادة ضبط إيقاع شي ما أو الإقلاع عن شيء ما في حياتك، ستجد طريقك نحو ذلك بإذن الله جل جلاله. وإن لم تكن جادا فهناك أعذار كثيرة يمكنك أن تبرر بها فشلك. تذكر أن من يصنع مجدك ويكتب تاريخك هو أنت لا أحد غيرك؛ فاترك بصمة جميلة بدل أن تكون ضحية من ضحايا إدمان العالم الرقمي ومجرد مستهلك مفرط للعالم الافتراضي.

وتذكر: ”The best way to take care of the future is to take care of the present moment.“