وداع الشهر المبارك واستقبال العيد
أيام قليلة وينقضي هذا الشهر المبارك سريعاً. من عرف قدره وعاش أيامه ولياليه تحت ظل ألطافه ورحمته، سيشعر بالحزن لفراقه والحسرة على وداعه. كان الإمام زين العابدين ينتحب ويشتكي من فراق هذا الشهر الكريم وكذلك سائر الأئمة ومن سار على خطاهم. عرفوا مكانته وتيقنوا بفضله لعلمهم أنهم في شهر الله تعالى وفي ضيافته وتحت ظل رحمته وطيب كرمه.
السعيد من حظي ببركات أعماله وتزود من خيراته ونال جزيل أجره وثوابه. ومن لم يحالفه الحظ والظروف والغفلة فليبادر باتخاذ القرار، فلا زالت بركات هذا الشهر مستمرة ورحمة الله تعالى واسعة وعطاياه وافرة وحسناته تنتظر الغافلين والمقصرين بتعويض ما فاتهم من إهمال. عملاً بسيطاً تتفتح له أبواب السماء رحمة ومغفرة ونور في القلب يطهر بما علق به من تقصير. ساعات قليلة من الاهتمام حصادها الكثير، فاللهو والنوم وتضييع الوقت وغيرها يجلب الحسرات والخسارة في ظل ما يشاهد من الفائزين الغانمين بخيرات وبركات هذا الشهر العظيم. خيراته الكثير رحماته.
فراق من نحب صعب عسير سواء من الأولاد أو الأهل والأصدقاء. وفراق هذا الشهر من أصعب الأمور على قلب من عاش أيامه بالعمل الصالح. خلق جو إيماني قوي وواقع من الألفة والمحبة والتآخي. فالاستدراك واجب والتهيؤ لما تبقى من بركات هذا الشهر مستمرة، كل حسب سعيه واجتهاده ومثابرته. هذه ليالي القدر، نعيش أيامها وهي خير من ألف شهر. قيامها والاهتمام بهذه الليلة عظيمة الشأن تستوجب التهيئة للحصول على جزيل الأجر والثواب. واستشهاد أمير المؤمنين من أعظم الأيام حزناً وألما والتقرب لله تعالى بالمشاركة الصادقة في أعظم من أنجبت البشرية بعد الرسول ﷺ. كذلك ما تبقى من مجالس تلاوة القرآن الكريم ومجالس الذكر مستمرة، جزى الله القائمين على هذه المجالس خير الجزاء، لهم عظيم الإجلال والتقدير حيث كرسوا أوقاتهم لهذا العمل الطيب ذي المردود العظيم. وكذلك من عطر المجالس بالتلاوة المباركة.
مع انقضاء الشهر الكريم نسأل الله القبول والمغفرة. يستعد المسلمون في أنحاء العالم بعد أيام قليلة للاحتفاء بالعيد المبارك بما له من بعد ديني وشعائره من الشعائر التي حث الإسلام على أدائه وارتباطه الوثيق بالشهر الفضيل. يعتبر العيد يوم توزيع الجوائز للفائزين ممن أكمل أيامه ولياليه على أكمل وجه وأعطاه حقه بما يستحق كشهر الله تعالى. والشكر على نعمة القبول. يجب الاهتمام بهذا اليوم المبارك كشعيرة وعبادة، ليس للنوم أو مجرد من معانيه بحس بليد وشعور بارد، بل تتويج من أعظم من أي حفل يتوج به المؤمن. ليكون يوم فرح وسرور تتكامل فيه الأهداف ليعم الخير جميع أفراد المجتمع من التواصل والتآخي وخاصة صلة الأرحام. ونظرة رحيمة تواكب خيرات وبركات الشهر الفضيل والعيد المبارك من تجلياته وفيضه، نظرة إلى الفقراء والمساكين والأيتام والمحتاجين من الأقرباء والجيران وأبناء المجتمع. إدخال السرور والفرح وفك كربتهم، إن ذلك من خير وأفضل الأعمال في جميع أيام السنة وخاصة في هذه الأيام المباركة لتسود القلوب الطيبة المحبة.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: آية 272]
العيد الحقيقي عيد تسوده المحبة والتآخي والنظر بعين الرحمة للفقراء. ليس العيد لمن لبس الثوب الغالي الثمن والعطر الفاخر والزينة غالية التكاليف والموائد المتعددة الأصناف ومن حوله من لا يجد قوت يومه. بذلك لم تتحقق أهداف الشهر الفضيل. قال الإمام علي في وصيته: «آ يَا بَنِيَّ عَاشِرُوا النَّاسَ عِشْرَةً إِنْ غِبْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ وَ إِنْ فُقِدْتُمْ بَكَوْا عَلَيْكُمْ».
نودع هذا الشهر الفضيل ونستقبل العيد المبارك بالشكر على إتمام نعمة الصيام وبالدعاء لكافة المسلمين في أنحاء الأرض. نودع هذا الشهر المبارك كان خير رفيق ومصلح بأيامه جليلة القدر ولياليه المباركة الشأن وساعاته خير الساعات، تطهرت فيه القلوب. الحزن على فراقه عظيم، الدعاء أن يعود على الجميع بخيراته وبركاته.