ما بعد الإنسان
زماننا يتمحور حول الآلة لا حول الإنسان، ويكاد الإنسان فيه أن يصبح شيئا من الأشياء، بل يكاد أن يصنع كما يصنع أي شيء. وباسم المستقبل، ها نحن ندخل في حضارة «ما بعد الإنسان» في زمن أسس لثقافة الآلة» هذا ما ورد في مقال يشبه دالية ناضجة لأدونيس بعنوان «الزمن هوية وإبداعا» نشر في «13/3/2024» بجريدة، الأخبار، وقد دلني عليه الأديب القاص علي العلي. فقطفت منه هذه الفقرة.
«الزمن هو ما أنت فيه» هكذا قال أحد المتصوفين. وقد كان الزمن في الماضي، يتمحور حول الوجود المطلق، ثم أخذ يتمحور حول الإنسان، فلسفة، أدبا، مفاهيم، قيما، مهارات، في كل حقل من حقول النشاط الإنساني، الروحي والمادي. وها هو إلى زمن الآلة. وهذا يعني أن إدانة للذين أوصلوا إلى هذه الحالة، في كل مجتمع، ويعني ثانيا موت الضمير؛ لأن الألة لا ضمير لها. فأصبح كل شيء مباحا، حتى الإنسان نفسه؛ لأنه أصبح شيئا من الأشياء. وها نحن نرى الملايين وقد فقدوا ذواتهم وأصبحوا «آلات حية» كما عبر أرسطو عن الرقيق؛ بفعل أجهزة الإعلام، وأصبحوا آلات، بفعل شيطان المال.
لكن الآلة، مهما بلغت من الذكاء، المساوي للذكاء البشري، الذي يقول المتفائلون: إنه سيحدث خلال السنوات الخمس القادمة، فإن الذي يبرمجها إنسان متميز، ذكاء ومقدرة. ومثل هذا نادر، في كل مجتمع، أما الأكثرية الأفقية، فسيدخلون في الكارثة من أوسع الأبواب، سيتعذر عليهم العمل، وستقوم السدود أمام عيشهم كبشر، فضلا عن تلك التي يسمونها «طوباويا» المساواة، وأختها التي يسميها الفلاسفة السعادة.
ولا بد هنا من السؤال: ما هو موقعنا نحن كأمة عربية من هذا السباق، الذي يزداد حدة وسرعة بين الدول، هل خيولنا الفكرية تنازل غيرها في هذا السباق، أم نحن من المتفرجين الذين يصفقون للناجحين، ظانين أنهم في ملعب كرة قدم؟ وأترك لك الإجابة على السؤال، أما حين أراك لائذا بالصمت، تواري خجلك بابتسامة بتراء، فسأسأل غيرك، فإذا وقف مثل موقفك، سأذهب إلى الثالث، وهكذا سأستمر في السؤال، إلى أن أجد شخصا متفائلا، قد ألقى القبض على العنقاء بيديه، أو أن عينيه لا تريان الحاضر، بل تتوجهان إلى المستقبل حين تصبح آماله أشجارا دانية الثمار، وأعني به الدكتور الفاضل علي فخرو. الذي كلما قرأت له مقالا تذكرت قول الشاعر «لقد أسمعت لا ناديت حيا».