لماذا أهل القطيف لا يغادرون الجدران وأهل الأحساء في كل مكان؟
إنه سؤال كبير وليس من السهل الإجابة عنه، وفي ظني أن هناك عوامل جغرافية وعوامل نفسية أدت إلى ذلك.
إن أهم تلك العوامل الجغرافية تتمثل في أن القطيف هي واحة من النخيل تقع على ضفاف الخليج وجل أهلها يمتهن الزراعة أو صيد الأسماك فهم مرتبطون بالأرض أو البحر ولا يستطيعون أن يرتحلوا إلى أي مكان آخر نتيجة لذلك.
إن تلك المهن - أي الزراعة وصيد الأسماك - تتطلب المكوث في الأرض والاستقرار لارتباط ذلك بمحصول الأرض ومواسم صيد الأسماك على اختلاف أنواعها ومسمياتها.
أما العوامل النفسية فتتمثل في أن شخصية الفرد في هذه الواحة تميل بطبعها إلى الهدوء والاستقرار ولا تميل إلى المجازفة والمغامرة وشعارها في ذلك المثل الشعبي المعروف ”ويش لك بالبحر وأهواله ورزق الله على السيف“.
وعلى الرغم من تدفق البترول في تلك المنطقة ومحيطها وتغير أوجه الحياة نتيجة لذلك، إلا أن تلك الشخصية لا تزال تخاف المجهول، وتكره المغامرة والخروج من سجن الذات مخافة أن تفقد خصائصها التي ورثتها من الأجداد، وهذا مما يجعلها معرضة للانقراض إما عاجلا أو آجلا، وحتى تخرج من قوقعتها فلا بد لها من التأقلم مع ذلك المحيط الصحراوي الجاف والتخلي عن ذلك التقوقع والانعزال.
ورب سائل يقول وماذا عن أهل الأحساء، فهم ينتمون لنفس الظروف الجغرافية، ورغم ذلك فإن التكوين النفسي لأهل الأحساء مختلف كثيرا عن أهل القطيف؟
من الملاحظ أن الشخصية الأحسائية هي أكثر انفتاحا وتقبل للثقافة المغايرة لذلك لا تكاد ترى بقعة في المحيط الجغرافي للجزيرة العربية يخلو من أهل الأحساء أو الحساوية بالمصطلح الشعبي، ولقد برعوا في كل المهن والفنون من حياكة العباءة العربية - البشوت - وصياغة الذهب والمجوهرات ولهم باع طويل حتى في الفن والغناء، كما أن مواهبهم التجارية يشار لها بالبنان، فهم تجار بالسليقة كما يقولون.
إن السبب في ذلك يتعلق أيضا بالموقع الجغرافي لتلك الواحة الغناء، فالأحساء هي أيضا واحة من النخيل في وسط صحراوي جاف، ولكن ما يميز الأحساء هو توسطها بين قلب تلك الصحراء وسواحل الخليج وهي بالتالي ممر ومحطة إلى قبائل البدو والتي تتنقل بين قلب الجزيرة وسواحل الخليج، وهذا التوسط الجغرافي أدى إلى ازدهار الحركة التجارية، وأدى كذلك إلى توسط في المزاج الشخصي لقاطني تلك الواحة الوارفة، لذلك لا ترى عند الإنسان الحساوي ذلك التعصب والانغلاق والانكفاء على الذات.
إن الشخصية الحساوية هي شخصية مرحة، مقبلة على الحياة، تتقن فن التأقلم، وتتكيف مع الظروف المحيطة مهما كانت صعبة وعدائية وشعارهم في ذلك هو بيت الشعر العربي الذي يقول:
ومن يتهيب صعود الجبال *** يعش أبد الدهر بين الحفر
تحية إجلال وإكبار لأهلنا في الأحساء وطوبى لمن ينتمي لتلك البقعة من الأرض، أرض الخير والعطاء على مر التاريخ.