آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 6:12 م

تفكيك احتكار شركة ”أبل“

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الاقتصادية

علاقتي مع شركة“أبل”بدأت مع جهازها المكتبي «“أبل II”»، حينئذ كانت شركة“أبل”صغيرة وجميلة، لكنها ما لبثت أن عادت، قبيل نهاية القرن الماضي، بوجه آخر مُنزوي، وطريقة تعامل إستئثارية، أي“الفريك”ما يحب شريك! والقضية بالنسبة لي ليست ضد“أبل”تحديداً، بل ضد البيئة المنغلقة، التي كافح جيلٌ كامل من المطورين لجعلها مفتوحة ونجحوا في ذلك من خلال نظام التشغيل“يونيكس”وأجياله المتعاقبة. انقلبت“أبل”على كل ذلك، وحتى على“يونيكس”ذاته بأن أسرته وقيدته من خلال واجهة مستخدم graphical user interface-GUI» منغلقة.

وأخيراً ستساق شركة أبل إلى المحكمة نتيجة لنهجها الاحتكاري المناهض للمنافسة، وتوظيفها لنظام التشغيل المغلق والبنية التحتية والتقنية ومجموعة من الممارسات التشغيلية والتسويقية للإطباق على السوق من خلال محاصرة الزبائن إطباقاً تاماً ليس بوسعهم الإفلات منه، إلا الغرق في منتجات أبل، ليصبح كل ما يحيط بهم من منتجات يشير إلى“أبل”، فلا يستطيعون الفكاك مهما فعلوا، وكأنهم أسرى للنهج الانغلاقي الذي تتبعه“أبل”، بحجة تحصين بيانات المستخدمين وحماية خصوصيتهم.

بل أن بعض ملاك أجهزة أبل وصل بهم الأمر أن يدافعوا عن ممارسات أبل في جعلهم يدورن في فلكها ولا يمانع في أن يدفع ثمناً غالياً نظير اقتناء اجهزتها وخدماتها. الآن حانت فرصة للصحو والانفكاك من احتكار وسجن أبل الكبير. حيث تسعى الدعوى القضائية إلى وضع حد للممارسات الاحتكارية لشركة أبل، الأمر الذي يمكن ان يؤدي بدوره إلى انخفاض الأسعار للمستهلكين، وفرض ظروف أكثر عدالة للمطورين، وبيئة يمكن أن يزدهر فيها الابتكار

ومن جانب آخر، فإن انزعاج الشركات المطورة للتطبيقات من الممارسات الاحتكارية لشركة“أبل”عظيم لاعتبارات عدة، يتراوح بين شجع شركة“أبل”باستقطاع رسوم عالية نظير إدراج التطبيقات في“مخزن أبل”، مما يعيق وصول الشركات للمستخدمين ووصول المستخدمين لتلك التطبيقات نتيجة لأمر أساس هو سعي شركة“أبل”للتكسب، وأن بوسعها - دون رادع - الاستئثار بالزبائن نتيجة لمحاصرتها لمستخدمي نظامها التشغيلي من جهة، ووضع عوائق غير تنافسية أمام من يريد من تلك الشركات - التي تقدم المحتوى - من الاقتراب من المستخدمين.

وحتى لا يكون الحديث مرسلاً، لنأخذ شركة سبوتيفاي «Spotify» كمثال، فمحل شكوى الشركة من ممارسات“أبل”يمكن تلخيصها في نقاط:

تدور مشكلة Spotify الرئيسية مع Apple حول الممارسات المناهضة للمنافسة داخل متجر تطبيقات“أبل”، وتحديداً فيما يتعلق بما يلي:

عمولة متجر التطبيقات: تفرض“أبل”على مطوري التطبيقات عمولة بنسبة 30 بالمائة على جميع عمليات الشراء داخل التطبيق، بما في ذلك الاشتراكات داخل التطبيقات، وتقول“سبوتيفاي”إن هذه الرسوم مفرطة وتخنق المنافسة، وبالأخص أمام منتج“أبل”«Apple Music».

طرق الدفع المقيدة: تطلب“أبل”من المستخدمين الدفع مقابل الاشتراكات من خلال نظام الشراء داخل التطبيق الخاص بها، مما يمنع“سبوتيفاي”من تقديم طرق دفع بديلة قد تكون برسوم أقل، بما في ذلك العروض الترويجية والخصومات المحتملة المقدمة مباشرة من شركة“سبوتيفاي”لزبائنها.

والممارسات الاحتكارية المفرطة لا تنحصر في شكاوى“سبوتيفاي”، فهذا مجرد مثال. ولذا، لابد لها من رادع قانوني، فإعاقة المنافسين تعتبر من الجرائم - نعم الجرائم - الاقتصادية الشنيعة، التي تنطوي رغبة في إبعاد المنافسين والاستئثار بالمنافسين، وهذا يلحق ضرر بالزبائن، فنجد أن السياسة التسعيرية لشركة“أبل”تبين ذلك بجلاء، ومن ناحية ثانية فإبعاد المنافسين يؤثر سلباً على كفاءة السوق.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى