جواهر العطاء
لم تكن الأوجام بهذا التنظيم والخدمات كما تعيشونها بسهولة وراحة اليوم، يوثق التاريخ سنوات من البعثرة والنقص والتشتت في قريتنا، إلى أن ظهرت في أرضنا جواهر نادرة فاقت قيمتها البترول والذهب والفضة، جواهر بشرية تحمل روحاً محبة للخير والعطاء دون مقابل، ونحن نعيش اليوم نحصد ثمار ما زرعوه، وأغلبنا يأكل الثمار ويجهل من زرعها ومن كد في سعيها لتثمر لنا.
ومن بيت واحد ولدت جوهرتان بهيئة أخوين، وقفوا بمحبتهم على اتجاهات خريطة الأوجام ولم تكن أعينهم تبصر أين هم الآن بل كان تأملهم وهدفهم للأفق البعيد وأين يريدون أن تتتجه وتكون الأوجام.
«أبو ناجي» و«أبو جعفر» إن كنت تجهلهم فهذا الوقت المناسب أن تتعرف على القليل عنهم. أبو ناجي ترجم معنى الإنسانية وقيم الدين العليا ورسم كثيرا من قواعد التغيير التي كان يطمح فيها للقرية، لكن القدر استعجل رحيله وضمت تراب الأوجام جسده لكن فكره بقى واستمر بجهود أخيه أبو جعفر.
أبو جعفر قرر أن يجعل من أرض الأوجام القاحلة أرضا ندية صالحة لإنبات التغيير والتجديد وكان ذا عقلية منظمة وفكر خارج الصندوق لذا قرر أن يضع قطرات الإصلاح والانطلاقة ليحقق النظرة المستقبلية التي كان يراها هو وأخوه لقريتنا في الوقت الذي كان يقابله أصحاب التفكير الضيق والجامد بالضد والاستنكار لكنه استمر دون تراجع.
كان أول ما بدأ فيه هو تطوير ذاته ليكون أفضل حتى أصبح معلما ومربيا في القطاع التعليمي وهناك وضع أول قطراته وهي «قطرة التنشئة»، فكم من أجيال مرت تحت كنفه قابلهم بالمحبة وروض تشتت أفكارهم وشجعهم لتحقيق طموحهم وأنا واحد من هؤلاء الطلبة حيث كنت محظوظا بمقابلته وأنا أشعر بامتنان كبير له، فبفضله تعلمت معنى العمل التطوعي وأدركت قيمة الإنسانية وحب الخير للمجتمع وكانت ثقته بي أساس ذلك، فأنا واحد من عشرات الطلبة الذين تغيرت حياتهم بسببه.
ولإدراكه أن العلم هو قوة المسلم تعمق بالدراسة بالخارج ليتبحر في علوم الدين ليرجع لوطنه بعد ذلك بلقب «الشيخ مالك» ليبدأ بوضع «قطرة الدين» في قريته ويضع تغيرات جديدة بها، فكم من مسجد يشهد بسعيه في عمرانه وتطويره، وكم من عمل خفي ساهم في نجاحه في مساعدة أصحاب التعفف والاحتياج.
وظل يطلق يده الحنونة في كل مكان حتى بدأ في بالاشتراك بتأسيس جمعية الأوجام الخيرية التي تنطلق لترجمة مشاريع الخير والإصلاح وتطوير الأوجام بكل الجوانب الاجتماعية وهنا وضع «قطرة التطوع» في بيئتنا وحث الكبير والصغير لخدمة القرية وطرح كثير من المشاريع لتنظيم الأوجام ومنها توسعة المقبرة وبناء مغتسلين لها وإعداد برامج تعليمية وثقافية مختلفة تناسب تنوع الأجيال لحرصه على النمو الفكري والاجتماعي لهم.
لن يصعب عليكم التعرف على «شيخ مالك» فهو حاضر في أغلب المناسبات الاجتماعية في القرية، يشارك بالعزاء ويبارك في الأفراح وهنا تبرز «قطرة التواضع» التي نتعلمها منه فجهده يصب في كل زوايا القرية، رجل مفعم بالحب واحتضان الناس بكل العوائل، حتى بات مصلحاً لكثير من المشاكل الأسرية لثقتهم بحكمته ومشورته.
رجل دقيق الملاحظة يهتم بالتفاصيل ويظهر الود عند مقابلته، عندما تراه عيناه تقرأ ملامحك وتشعر بالألفة معه كأنك تعرفه، يحمل روح راضية صبورة تفوح من كلماته وتترجم في أعماله. كثير منكم يجهله لكنهم يعيشون بنظام لكثير من الخدمات بفضل جهوده وإلهامه، وأنا واثق أنه كلما زادت معرفتكم به سيزداد إعجابكم بفطنته.
وأنا أخشى أن هذه الجوهرة لا يقدر بريقها لذا فلنحافظ عليها من خلال تقديرها، لذا أقل ما يمكن تقديمه هو الشكر والامتنان والاحترام له لتتواصل لمعانا ونورا.
شكرا لوجودك فرداً من قريتنا، هناك من يتبنى طفلا ويعيله ولكنك تبنيت قرية بأكملها، وامتنان كبير كونك شجرة مثمرة بقطرات من أمل جذورها ممتدة بكل الأوجام، كنت مسؤولا عنا لسنوات عدة وحان الوقت لنشاركك المسؤولية ولنواصل معك بناء أوجام أفضل وشكرنا الأعمق يشمل جميع الشخصيات التي تسعى بالسر والخفاء بالخير والعطاء للمجتمع ولا تلقى منا التقدير والمعرفة.
لنبدأ منذ اليوم ونحن في شهر الرحمة والإصلاح والتغيير بالبحث عن جواهر جديدة وليأخذ كل واحد منا قطرة من قطرات الأمل والتطوير ويبدأ في السعي في إثمارها لنجعل من الأوجام منجم جواهر تزيد من بري أرضها وبريق الوطن.