آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

المستمسك الرمضاني «4»

مرسى النجاة:

«اللهم اشغلنا بذكرك» «دعاء أبي حمزة الثمالي»:

يزدحم القلب بالمشاغل فيتيه عن هدفه وطريقه التكاملي وينزلق نحو السقوط ويتخلى عن قبس النور المعرفي الواعي في النظر للأمور واتخاذ المواقف، فحالة الفراغ الروحي والتصحر الإيماني منطقة ينشط فيها الشيطان الرجيم فيزين في عين الإنسان الملهيات والشهوات وصولا إلى ارتكاب المخالفات، وليس هناك من صمام أمان ومرسى للنجاة إلا التعبئة والشحن الروحي واللجوء إلى محراب المناجاة والانقطاع إلى الله تعالى، فيعيد بوصلة فكره وسلوكياته نحو القيم الأخلاقية والتربوية فيستعيد توازنه الفكري والوجداني، ويراجع تقييم خطواته وتطلعاته التي اقتصرت على تحصيل الملذات الدنيوية وانحصار مسعاه وجهوده بها، فقد تخلى عن الهدف الأسمى المخلوق له وهو التكامل المعرفي والقيمي عن طريق عبادة الله تعالى.

الانشغال بذكر الله تعالى لا يعني التجلبب بالرهبانية والانفصال عن الواقع والتخلي عن المسئوليات والانزواء الاجتماعي، بل هو خلوة روحية يتخفف فيها المرء من أعباء ضغوط الحياة وإنهاك النفس بالمشاغل والمتاعب، فيهرع إلى محراب الذكر والمناجاة ليستعيد ألقه وصفاءه الذهني ورقيه وتكامله، وهذا ما يؤكد على نقطة مهمة تتعلق بتعريف وبيان معنى الذكر ورفع توهم قد يتسرب إلى الأذهان فيسبب تشوشا لها، فقد يتصور البعض - وهما - بأن الأذكار هو اللجوء إلى محراب الأدعية بمعنى لقلقة اللسان مع ما يقابله من غياب التركيز الذهني والوجداني للنظر في مضامينها ومراميها وغياب الفكر عن تحويلها إلى ومضات معرفية وسلوكية تتجسد في شخصيته على أرض الواقع، بل الذكر النوراني محرك وباعث نحو البحث عن رضا الله تعالى وترقبه في كل ما يصدر منه وفي كل أحواله، والذكر اللفظي طريق إلى حالة اليقظة الروحية التي يستشعر معها الإنسان بوجود الله تعالى معه في كل أحواله وشئونه، فيدعوه ذلك إلى الالتزام الديني والاستقامة والورع عن محارم الله تعالى والخوف منه في أحاديثه وسلوكياته وعلاقاته مع الآخرين، فبوصلة فكره وعمله متجهة نحو إرادة الله تعالى ورضوانه فتتغلب إرادته الواعية حينئذ على أهوائه ومشاعره المستفزة، وما أجملها من حياة يحياها المرء مع ذكر الله تعالى الذي ينير له دربه في كل الاتجاهات.

وعينه ترقب المعاد ولقاء الله تعالى فينشغل بما يزيد في رصيده الأخروي ويتجنب منزلقات ومسارب المخالفات الشرعية، وليس هناك من مذكر ومنبه على ضآلة حجم الدنيا الزائلة والمعين على تجنب الشغف بمظاهرها والطمع في زينتها من ذكر الله تعالى، فتلك الأوقات الروحية التي يقضيها مع كتاب الله تعالى متأملا ومتدبرا في معاني آياته الكريمة وما تحمله من توجيهات وقيم تنير فكره وعمله، وكذلك مضامين الأدعية الأخلاقية تهذب نفسه وتنزهها عن الرذائل والعيوب والسلوكيات الخاطئة.

?