آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

شهر رمضان، شهر الإنجازات والطموحات

زكريا أبو سرير

عرف المسلمون شهر رمضان المبارك باعتباره شهر الخير والبركة؛ كونه الشهر الذي أنزل فيه كتاب الله سبحانه وتعالى، وأصبح هذا الشهر الفضيل يعبر عنه بشهر الله، وربيع القرآن الكريم وشهر الضيافة الإلهية. وكان المسلمون يحتفلون بقدومه بل قبل قدومه، كما فعل رسول الله ﷺ حين بيّنه في خطبته المشهورة المعروفة بـ ”خطبة النبي في استقبال شهر رمضان المبارك“، وهي خطبة بيّن فيها رسول الله ﷺ شهر رمضان الفضيل وذكر مزاياه العظيمة والواسعة التي لا تكون إلا في شهر رمضان الكريم، حيث يصبح الناس جميعهم دون استثناء في ضيافة الله وفي مائدته سبحانه، لأنه شهر الله، وكما قال رسول الله ﷺ عنه في خطبته: ”أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ قَد أَقبَلَ إِلَيكُم شَهرُ اللهِ بِالبَرَكَةِ وَالرَّحمَةِ وَالمَغفِرَةِ. شَهرٌ هُوَ عِندَ اللهِ أَفضَلُ الشُّهُورِ، وَأَيَّامُهُ أَفضَلُ الأَيَّامِ، وَلَيَالِيهِ أَفضَلُ اللَّيَالِي، وَسَاعَاتُهُ أَفضَلُ السَّاعَاتِ. هُوَ شَهرٌ دُعِيتُم فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللهِ، وَجُعِلتُم فِيهِ مِن أَهلِ كَرَامَةِ الله“.

إذًا حري بنا نحن المسلمون أن نستغل شهر رمضان المبارك ونجعله انطلاقة صادقة ومخلصة لربنا سبحانه ومحاسبة أنفسنا بالتعهد على ألا نخرج من هذا الشهر الكريم خاسرين ولا أشقياء كما ورد في الروايات الشريفة عن رسول الله ﷺ حين قال «إن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم» وعنه ﷺ إن الشقي حق الشقي من خرج منه هذا الشهر ولم يغفر ذنوبه»، بل نسعى فيه بكل جهدنا أن نكون فيه من المرحومين لا من المحرومين من رحمته الواسعة، ومن الفائزين لا من الخاسرين دنيانا وآخرتنا.

شهر رمضان المبارك عرف عند المسلمين كذلك بأنه شهر الإنجازات وتحقيق الطموحات، ففي شهر رمضان المبارك كانت بداية انتصارات المسلمين بدءًا من غزوة بدر في 17 من شهر رمضان للسنة الثانية للهجرة، وهي أهم إنجاز حققه المسلمون في هذا العام، حيث كان عدد المسلمين لا يتجاوز ثلاثمائة رجل ونيف وبإمكانيات متواضعة، في مقابل جيش المشركين الذي ناهز ألف رجل، وبإمكانيات كبيرة وبدعم قوي جدًا، وبرغم ذلك انتصر المسلمون بتوكلهم على الله تعالى وبقيادة رسول الله ﷺ، وبعزيمة وإيمان ثابت لا يهزه جبل وهم صائمون وفي أجواء شديدة الحرارة كما يذكر لنا التاريخ، فعلى رغم ذلك الجوع والعطش انتصر المسلمون على المشركين.

كذلك، في شهر رمضان المبارك في سنة 8 للهجرة، فتح المسلمون مكة المكرمة، وكان خروج النبي الشريف في العاشر من شهر رمضان المبارك، وفي شهر رمضان من السنة التاسعة للهجرة كانت فيها غزوة تبوك، وهكذا تتالت الإنجازات وتراكمت في هذا الشهر الفضيل، فضلاً عن أن صيام شهر رمضان يعد أحد أركان الإسلام، وهو الركن الرابع في الإسلام، حيث ورد عن رسول الله ﷺ: ”بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبد الله ورسوله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت“، وهذا ما أضفى على الشهر جانباً كبيراً من الأهمية الدينية عند كل المسلمين بمختلف مذاهبهم وطوائفهم الإسلامية، بل حتى غير المسلمين من الطوائف الأخرى، وهذا ما رآه ولمسه الكثيرون في بلدان إسلامية وغير إسلامية، وكيف يحترم الآخرون شهر رمضان المبارك ويوقرونه، ويشارك البعض منهم المسلمين بالصيام كحالة تضامنية، وتجد البعض منهم أحياناً يحمل نوعاً من الاعتقاد بقداسة هذا الشهر الكريم كما أفادنا أحد الأصدقاء فترة إقامتهم تلك الدول الأجنبية.

ومن خلال تتبعنا لخطبة النبي الأكرم ﷺ يُكشف لنا بأن شهر رمضان المبارك شهر يدعو فيه الله الناس كافة؛ لأنه شهر الرحمة والمغفرة والخيرات، والبركات والعروض الإلهية، التي لا نجدها في بقية شهور السنة. إذن، شهر رمضان ليس للكسل والنوم وضياع الوقت، بل هو شهر النشاط والحركة، ولحظة استغلال الوقت واستثماره، سواء في العبادة، أو العمل أو استغلال أوقاته في خدمة المجتمع.

إن من العبث واللعب اعتبار شهر رمضان الفضيل، بمثابة فرصة للنوم طوال النهار والسهر طوال الليل من دون أي إنجاز يذكر، أو دون هدفية شخصية، أو دينية أو اجتماعية يتم تحقيقها. فمثل هؤلاء يمر عليهم الشهر الفضيل دون أن يشعروا فيه بأقل إنجاز يحسب لهم، وهذا خلاف تعاليم الإسلام ومفاهيمه. فإذا كان لدى البعض قصور في فهم معنى شهر رمضان المبارك فليرجع، ويقرأ ويتمعن في خطبة النبي الأكرم ﷺ وكيف يقدم مفاهيمه الإسلامية الرمضانية للمسلمين لكي يستعدوا لقدومه وينشطوا للعمل فيه في كل الميادين العبادية، والعملية، والعلمية والخدمية.

لهذا يحتاج شهر رمضان منا، وهو موسم سنوي عظيم، يحتاج إلى إعداد واستعداد نفسي وجسدي، وتهيئة فكرية وثقافية، عبر صناعة برامج مكثفة ومختلفة ومتنوعة، العبادية والثقافية والاجتماعية؛ لكي ننتفع جميعًا بهذه الأيام المعدودة التي أشار إليها ربنا سبحانه وتعالى حين قال سبحانه: ”أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ“، أي أيام سريعة الرحيل، وكأن الساعة فيها دقيقة، واليوم فيها كأنه ساعة. لهذا لا ينبغي أن نضيع أوقاتنا فيه ونحن على الفراش الناعم، أو في الشوارع أو على المسطحات الخضراء، بين لعب ولهو، فنكون فيه من المحرومين من كرم وفضل المائدة الموسمية السنوية الإلهية المباركة لا سمح الله. عن رسول ﷺ «فمن لم يغفر له في رمضان ففي أي شهر يغفر له».

المصدر: ميزان الحكمة - محمد الريشهري، ج 2، الصفحة 1118.