آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

نساء بألف رجال

عبد الله حسين اليوسف

يحكى أن إحدى الفتيات تعيش في أسرة متواضعة، ولديها أخوة من ذوي الاحتياجات الخاصة وأب مريض، مجتهدة في الدراسة أنهت الدراسة الجامعية وتنتظر الوظيفة لكنها قامت برعاية أهلها حتى تعلمت القيادة وحصلت على سيارة والدها الذي عجز عن القيادة، وأخذت تجلب لهم كل الاحتياجات الخاصة وزيارة المستشفى للمراجعة وكأنها ربة المنزل، فالأب يدعو لها بالحفظ والسلامة والأم تراقب ما تقوم به ابنتها من مهام وإخوتها البقية، أحدهم يعمل خارج المنطقة والآخر يدرس والمرضى من الأخوة يحتاجون مواد طبية وعلاجا وتوفير عناية طبية بشكل مستمر.

وأخذت تكرر وتقول: الزمان هذا لا فرق في قيادة المرأة أو الرجل في حالة احتياج الأسرة؛ لذلك كانت مثال الفتاة الملتزمة بكل احتشام في التعامل ولم تجعل نفسها لقمة سائغة وسهلة لكل من يراها أو يتعامل معها وأخذت تنتقل من مكان إلى آخر وكانت قيادتها للسيارة بشكل منظم وطبق قواعد وأنظمة المرور.

وكل مرة تحتاج الأسرة المستشفى تقوم بحمل الأخوة أو الأب والكل يدعو لها بالسلامة والحفظ.

والأب يعطيها المال وبطاقة البنك وتأتيه بكشف المشتريات فيقول لها: لا داعي تأتي رسالة «sms» لكل حركة شراء.

وأيضا الأب يأخذ راتب تقاعده وإعانة لحالات الأبناء الصحية وأيضا راتب الضمان الاجتماعي المطور الذي يقدم خدمة جليلة لبعض الحالات التي تحتاج رفع جزء كبير من الحاجة وتقلل مد اليد لمن هب ودب.

ولكن الدنيا لا تدع الإنسان في حالة مستقرة وتقلب الزمن، فتعرضت البنت الشجاعة لحادث مروري أثناء خروجها من أحد المحلات التجارية وهي تحمل أكياس المواد المختارة منه، ولم يراع من أصابها وهي تسير على قدميها نحو سيارتها، وتأثرت من ذلك الحادث لشاب لم يبلغ سن الرشد أعطي سيارة يأخذ الحي طولاً بعرض بسرعة وكأن أبناء الحي تتفرج على بطل الماراثون الذي يسرع بسيارته آخر موديل كأن على رأسه ريشة، ولا يعتقد أن للبشر حق العبور ما دام حضرته موجوداً على سطح هذا الكوكب.

وأصبحت الفتاة بها كسور وتناست الألم وفكرت في حاجة أهلها وكأنه أصبحت زيادة رقم في عدد مرضى الأسرة.

وعلينا أن نفكر في شهر رمضان المبارك بالأمهات والأخوات وكيف تقابل الفرن والطبخ في عز الصيف أو البرد القارس وتغيير مواعيد الدراسة والنوم.

وكأني أتذكر أمي العزيزة رحمها الله والبحث عن الغاز وطبخ الهريس على «أم ثلاث أو أم الفتل»، وكأنه سباق في الحارة لطلب الغاز السائل، وكان يحضر على عربة يقودها حمار، ويقف في السوق والكل يأتي بقارورة أو قربة مقدار ما يستطيع حمله وما يملك من مال.

وكانت الوالدة تطبخ الهريسة في وسط بيت لا سقف له مفروش بالحصباء أو الرمل يسمى «الحوي»، ويكون طبخ الهريس من بعد صلاة الظهر إلى قبل المغرب، وبعدها تأتي أم المعارك في ضرب وطحن الحب حيث نتسابق لمساعدة الوالدة لتجهيزها ووضعها في صحن وتسطيعها ووضع حفرة دهن مقلي وبه تمرة، وخصوصا دهن «أبو كرسي» الذي يعد ماركة تجارية لها صيت وميزان مقدر في عقل من يستخدمه كمعيار حتى في هذا الزمن بما يسمى «شيلة».

وكانت الهريس ولقمة القاضي «اللقيمات» تعد الوجبة الرئيسة مع المرق والسلطة من فجل وبقل وغيرها.

وطبق الهريس وجبة محببة في شهر رمضان المبارك الذي يعد بصمة واضحة، وكانت تطبخ من القمح المميز المحلي والمستورد، ويأتي البحث عنه قبل شهر رمضان مع الطحين والزيت والخروف الذي يأتي به من شهر رجب لكي يطعم ويذبح قبل شهر رمضان المبارك أو لحم البقر، وبعد ذلك دخل الدجاج في تحضير الهريسة وهو مفضل لطبقة هذا الجيل والبصل والطماطم أيضا يطحن حتى لا يرى في المظهر الخارجي لطبق الهريسة.

وكانت أمي تستعد لطبخ الهريسة بعد شد الوسط وأيضا رفع كم الأيدي، وتهلل وتكبر وتقرأ بعض السور التي حفظتها من المطوع.

تقابل «أم الفتل» وهي تصاب بالكحة لرائحة الغاز المسال، وإذا لم يكف لطبخ الهريسة تقوم أم المعارك في جلبه والأب يلومها على عدم تذكيره، وكأنه في رحلة الشتاء والصيف، وانتقلت الناس إلى الطبخ بالغاز المضغوط عن طريق الفرن المربوط بأسطوانة وعند تغييرها تحتاج قوة وأسلوباً ومراعاة للسلامة.

وأيضا البحث عن بديل للأسطوانة، وحتى بدأ التفكير في جلب واحدة احتياط. وأيضا توفر الفرن ذو الحجم الكبير بدل الفرن الصغير ذو العين أو العينين، وكانت فرحة الأم بذلك نقلة في التطور من النظافة وأيضا صنع بعض الأطباق، وخصوصا صناعة الكيك وبعض الحلى وتغيرت الحياة وحتى الطعام والمواد والمطاعم التي وفرت السفري والمحلي ولكن مع شهر رمضان المبارك يعد من يذهب إلى المطاعم عار على البيت حيث يعد فيه أشهر الأطباق وسفرة لا يعرف من أين تبدأ أو تنتهي وبها الألوان والأصناف.

وكل فترة يتقدم بنا الزمن ونرى تغييرا في العادات وأنواع الأطباق وطرق الطبخ، ولكن الأطباق التراثية تكون هي من يتصدر المشهد في شهر رمضان المبارك.

وأخيرا تقبل الله طاعتكم وكل عام وأنتم بخير.