الحبّ في بابل
بينما كنت أحلق في فضاء الشبكة العنكبوتية وقعت عيني على قطعة صخرية نُقش عليها رجل وامرأة في حالة عناق. وقد كانت تعكس درجة عالية من الراحة النفسية والأمان. حيث إنّ رأس المرأة يستند على صدر الرجل ويدها اليسرى تلتف على خصره أيضًا. والرجل كذلك، كان يضع كلتا يديه على ظهرها، ورأسه يستند على رأسها. ولا أعلم إذا كانت تلك اللوحة الصخرية التي يتجاوز عمرها أربعة آلاف سنة تمثل صورة فوتوغرافية في زمنهم، أم أنها حالة تعبير من النحات نفسه عن موقف معيّن. ومهما كان الموقف فالحبّ هو أول قراءة للناظر.
يعرف الجميع أنّ الحب قديم، ولكن ما لا يعرفه الجميع - وللأسف - أنّ الحب وحده لا يكفي. فالأهم من الحب نفسه هو جودة الحب. ومن أهم الأشياء التي يجب أن يوفرها المحب لحبيبيه أو يساعد في الوصول إليها هي حالة الأمن العاطفي. وتعني أن يصل الإنسان لدرجة من التشبّع بالأمان وانخفاض القلق، كذلك رفع مستوى الرحمة ومساعدته على تقبّل نفسه، سواء على مستوى العلاقة الشخصية أو في الأسرة أو في بيئة العمل. ومن نتائج توفير الأمن العاطفي هي مرحلة التدفق النفسي، وهو عبارة عن حالة يصل فيها الإنسان إلى كبت الأفكار السلبية والاستمتاع باللحظة حيث يصل لمستوًى عالٍ من النشاط والطاقة الإيجابية. وأثبتت الدراسات أنّ وجود الأمن والتدفق النفسي يخلق معنًى للحياة، فيصل الإنسان للمتعة والسعادة.
وبالعودة للمشاعر المتبادلة بين الرجل والمرأة في تلك المنحوتة الصخرية، فإنّ محاولة كلا الزوجين خلق جانب الأمن النفسي لكليهما من خلال المواقف اليومية التي تحدث بينهما، له أثر عظيم في تكوين التدفق النفسي، الذي يسمح بتقدّم الحب والعطاء بشكل لامحدود. كأن يبادر أحد الزوجين إعطاء الطرف الآخر دوره الحقيقي والواضح في فهم حدود المسؤولية، وكذلك إظهار التسامح والرحمة عند وقوع الأخطاء، والثناء بعد أيّ سلوك جميل ومحبّب أو ما يسمى بالتغذية الراجعة في علم النفس.
هناك نظرية يُطلق عليها ”دعونا نستمتع فقط“ لعالم النفس الأمريكي مارتن سليجمان، تؤكد على مبدأين: الأول هو من حقّنا أن نمتّع أنفسنا. والثاني: لنمتّع أنفسنا. ولو أنّ كل زوج عمّق تفكيره، ووضع في عقيدته أنّ من حقّه أن يعيش المتعة بكلّ جوانبها مع زوجه، سوف يذهب لتحقيق الجانب الآخر وهو البحث عن جوانب تلك المتعة. وبالتالي سوف يشبع الطرف الآخر بالأمن العاطفي، وبالتالي التدفق النفسي الذي يضمن الحب كما في المنحوتة البابلية.