هكذا تتجلى روح الإنسانية
ما أجل وأعظم أن تتجسد الإنسانية في أسمى معانيها، حباً وكرماً وشهامةً ومروءةً على واقعنا المعاش، خاصة ونحن نعيش في زمن طغت فيه الماديات بأبشع طغيانها وجبروتها، والذي أخذ يستشري في حاضرنا هذه الأيام دون أن ترف جفون أهل البخل والتقتير والحرص، الذين تنطبق عليهم الآية الكريمة: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ صدق الله العلي العظيم.
هم أولئك البشر الذين غلبت عليهم الأنانية وحب الذات، فلم يراعوا ضعف الناس وعوزهم واحتياجاتهم، فسدوا بمواقفهم السلبية أبواب الرحمة والشفقة والعطاء في وجوه أولئك المحرومين والبؤساء. ولكن يأبى الله جل جلاله إلا أن يفتح أبواباً من ألطاف رحماته بيد أناس طبع على قلوبهم حب الخير والتسابق في مد يد العون، فما أن تصل إلى أسماعهم وأنظارهم حتى يبادروا إلى البذل والجود بسخاء إلى أولئك المحتاجين والمتعففين، وهي صحوة ضمير لدى بعض البشر الذين جبلوا على فعل الخير والعطاء المتأصل في نفوسهم السخية، لتندفع تلقائياً في مد يد العون والمساعدة، حتى ولو كانت أوضاعهم المادية والمعيشية ينتابها عدم الاستقرار المالي. ولكنّه الإيثار، وقد ضرب الله مثلاً في ذلك حينما قال الله عز وجل: «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة» صدق الله العلي العظيم.
فالواحد منهم راتبه الشهري لا يكاد يكفيه هو وأولاده، ولكن يصرون على الاقتطاع من رواتبهم ليدفعوها إلى من هم في حاجة وضرورة. وهذا ما حصل في مقطع فيديو حقيقي شاهدته وتأثرت بأحداثه، حيث يحكي عن امرأة قد عرضت غسالتها في مكان عام أمام المارة لتبيعها لتسديد قيمة إيجار الشقة التي تسكنها هي وأولادها. هنا تدافع أهل الشهامة من رجال ونساء، قائلين لها ودموع بعضهم تتساقط من أعينهم لتمتزج بدموع تلك المرأة التي أبت كرامتها وتعففها أن تأخذ ما أعطي لسد حاجتها. فتدافع بعض المارة إليها ليقولوا لها: تفضلي هذا مبلغ إيجار الشقة دون أن تعرضي غسالتك للبيع. فأخذت الأمور تتصاعد بسبب امتناع هذه المرأة العفيفة من استلام أي مبلغ إلا ببيع غسالتها لدفع إيجار الشقة.
يا لها من تحفة إنسانية في قالب مثالي قل نظيره هذه الأيام، نظراً لما تركته هذه الواقعة من لمسات وبصمات نيرة أشعلت جدوى المروءة وأطفأت نار الأنانية والبخل وحب الذات. وخاصة ونحن في شهر عظيم يدعو إلى التباري في مد يد الخير والعطاء والعون والإحسان إلى محتاجينا من المؤمنين والمؤمنات.