آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 1:20 م

المستمسك الرمضاني «2»

نزع فتيل الخصومات:

إذا هذب المرء نفسه واستطاع أن يصل إلى مرحلة ضبط النفس والانفعال وفق إيقاع العقل الواعي، المدرك للنتائج المترتبة على نشوب نيران الكراهية والأحقاد والتي تحرق كل جميل على مستوى العلاقات الأسرية والاجتماعية، وليس هناك من صمام أمان سوى أن يتخلى الفرد عن أهوائه المحركة له باتجاه تكوين المشاعر السلبية والبغضاء تجاه الآخرين، بسبب سوء فهم أو حوار ساخن أو الوقوع تحت تأثير الضغوط الحياتية والمشاكل المختلفة، فيستجيب لحديث نفسه الهادئة والتي تدعوه إلى نزع فتيل الخلافات والخصومات من خلال التخلي عن طريق الانفعال الشديد والاستجابة لاستفزاز الآخر، مما يولد هذا الموقف المشحون مشاعر الكراهية وحب الانتقام والتشفي ممن أساء له يومًا، فيظل سائرًا خلف اجترار خياله لذلك الموقف، فيتصور واهمًا بأن الانتصار لنفسه ممن أهانه هو بالتعامل القاسي معه وتجاهل وجوده وصناعة الكراهية له في قلوب الآخرين، امتلاك زمام النفس عند المواجهات الصعبة ومواقف الاستفزاز والإساءة هدف سام كبير يتحرك المرء من أجل تحقيقه؛ لئلا تتحول حياته إلى جحيم بسبب تلك الخلافات والخصومات التي يخوضها ولا يعرف الطريق لتحاشي الاحتراق بنيرانها، فضبط النفس يشكل قوة ضاربة يتسلح بها في مواجهة الخلافات المتصاعدة مع الآخرين في المواقف المتأزمة، ويا لسخف التفكير بأن القوة في الشخصية تعني الاستجابة المتهورة لأي استفزاز، حيث إنه لا يلتفت إلى النتائج المترتبة عليها من ناحية نفسه وفقدانه للتركيز الذهني والهدوء النفسي اللازم للحياة السعيدة وتحقيق أهدافه وتطلعاته، كما أن علاقاته تكون في زاوية التوتر المستمر والخسائر المتلاحقة حيث إن العلاقات الناجحة تعني مودة واحترامًا وبناء جسور الثقة والتعاون والتفاهم، وأنى له بذلك وهو يعاني من نفس جارحة لا يسيطر على ردات فعلها عندما يتعرض لأي موقف صعب يؤلمه، ومن غير المنطقي مواجهة الإساءة بمثلها مع تعدد الاحتكاكات والمواقف الساخنة في حياتنا، فكيف سيكون وضعه وحاله إذا تعرض في كل يوم إلى مواقف تشكل له توترًا وضغطًا نفسيًا، فكلمة من هذا تجرح إحساسه، وسوء تفاهم حول أمر معين يضعه على مفترق طرق مع الغير، ويمتزج كل ذلك مع إرهاق وتعب بعد مجهودات يبذلها في دراسته أو وظيفته بخلاف تعكير صفو أجوائه الأسرية.

توجيه الصاع صاعين ورد الإساءة بما هو أقوى منها في مسار الضربات الإسائية المتبادلة، ولكنه يغيب عنه أن الألم والإساءة والضرر يقع عليه قبل غيره، فكم من الوقت والجهد والتفكير يأخذ منه عندما يرغب في الانتقام ممن أساء له!!