الشهر الفلكي.. مبنى وحدة الأفق نموذجا!
هناك معايير فلكية تستخدمها بعض البلدان لحساب بداية الشهر الفلكي وعادة نرى هذه الحسابات في شكل تقويم يصدر سنويا، وفي بلدنا المملكة العربية السعودية يعرف بتقويم أم القرى، والمعايير التي يعتمد عليها لبداية الشهر الفلكي الجديد: موقع الكعبة المشرفة كمرجع في الحسابات وأن يكون الاقتران قبل مغيب الشمس بحيث يغرب القمر بعد غروب الشمس.
لاحظ أن المعايير لا تعتمد على الرؤية في بلد المكلف وهذا هو مفهوم الشهر الفلكي، كذلك الاقتران «البداية الفعلية للشهر الفلكي» يمكن أن يحدث في أي وقت من الليل والنهار لكن حساب بداية الشهر يكون بعد غروب الشمس ولا ضير في ذلك لأنه تقويم اصطلاحي مدني، أما في إثبات دخول أوائل الأشهر للمواسم الدينية فالاعتماد على الرؤية الشرعية.
والآن بعد ما وضحنا الشهر الفلكي دعنا نسلط الضوء على بداية الشهر وفق مبنى وحدة الأفق ليتضح لنا هل هو شهر فلكي أم شهر شرعي؟
لو أخذنا مبنى السيد الخوئي «قدس سره» نموذجا نرى الآتي:
1. المعيار عند السيد الخوئي لبداية الشهر هو خروج القمر من المحاق في أي بلد يشترك مع بلد المكلف في جزء من الليل. لاحظ أنه لا يعتمد على رؤية الهلال في بلد المكلف شرقي بلد الرؤية.
2. السيد الخوئي يفرق بين بداية الشهر وبداية الحساب كما في قوله:
"تبيين المراد من بداية الشهر وبداية الحساب
فليُعلم أنّ قولنا: بداية الشهر ببداية الخروج عن المحاق، لم نقصد منه أنّ تلك اللحظة مهما كانت فهي بداية حساب الأيّام، أو مدار نصّ الفروض والأحكام؛ كي يرد عليه ما توهّم..... أمّا بداية الحساب فلا بد أن تكون من أوّل اللّيل ليلة الرُّؤية، مهما تحقّق الخروج، حتّى يعلم بوجوده في السماء بالرُّؤية التي هي الطريق العامّ الوحيد في سهولة التناول لكلّ أحد. ولا تكون غالباً إلّا في أوّل اللّيل، أو قريباً منه." [1]
فالسيد الخوئي يفرق بين بداية الشهر الذي يبدأ لحظة خروج القمر من المحاق وبين بداية حساب الأيام أو مدار الأحكام الذي يبدأ في أول الليل، وهذا لا ينسجم مع الشهر الشرعي الذي بداهة يبدأ برؤية الهلال بدون فاصل بين بداية الشهر وبداية الحساب.
ومقتضى ذلك أن بداية الشهر على رأي السيد الخوئي يبدأ قبل خروج القمر من المحاق، وقد وجه السيد محمد الطهراني «قدس سره» نقدا بهذا الخصوص إلى السيد الخوئي ونقودا كثيرة أخرى علمية وشرعية وعقلية ولكن السيد لم يجب عليها، حتى قال السيد الطهراني: ”فجميع النُّقود باقيةٌ بحالها، وقائمةٌ على ساقها طابق النَّعلِ بالنَّعل والقُذَّةِ بالقُذّةِ“ [2]
أيضا السيد السيستاني «دام ظله» ضمَّن هذا النقد في قوله: -
”أن مقتضى الالتزام بدخول الشهر في لبلاد الواقعة شرق بلد الرؤية من جهة اشتراكهما معه في جزء من الليل هو إنما تبعض الليلة الواحدة فيها بين شهرين بأن يكون أولها إلى اللحظة التي رئي الهلال فيها في ذلك البلد الغربي من الشهر السابق وما بقي من الشهر اللاحق، وإما ابتداء الشهر فيها قبل قابلية الهلال للرؤية في أي مكان في الأرض، وكلا الأمرين بعيد عن المرتكزات العرفية.“ [3]
فلا يوجد فرق بين بداية الشهر وفق مبنى وحدة الأفق وبين الشهر الفلكي بل يوجد تطابق بينهما.
والجدير بالذكر أن مبنى وحدة الأفق اختاره جملة من الأعلام المتأخرين كما في المنتهى وكما في الجواهر وصاحب الحدائق لاعتقادهم بعدم كروية الأرض بل لكونها مسطحة، واختاره جملة من الأعلام المعاصرين بسبب تخيلات فلكية خاطئة من قبيل عدم ارتباط ظاهرة خروج القمر من المحاق ببقاع الأرض وكذلك بسبب الإصرار على إسقاط ظهور الروايات الواردة في دخالة الرُّؤية.
الآفاق بتكوينها مختلفة وإذا كان المدار في بداية الشهر هو رؤية الهلال كما دلت الروايات، يصبح اختلاف الآفاق تحصيل حاصل.