آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 9:58 م

النجاح: عقليةٌ قابلةٌ للنمو

هاشم آل حسن

على مرّ العصور، سعى الإنسان جاهدًا لبلوغ النجاح، تلك الكلمة التي تُوحي بصور الإنجاز والتحقيق لحياةٍ ملؤها الرضا والتميز. إنها رحلةٌ شائكةٌ تملؤها التحديات والأسئلة التي تُحيّر العقول والنفوس وتُثير التساؤلات حول جوهر النجاح وسبل تخطي تلك العقبات التي تُواجهنا في سعينا الحثيث نحو التميز.

ولكن، ماذا عن الفشل؟ ذلك النقيض الظاهر للنجاح؟ في الواقع، إنّ الفشل هو جزءٌ لا يتجزأ من رحلة الحياة. فما هو إلاّ اختبارٌ للشجاعة، ودافعٌ لتجاوز الحدود، واحتضان المخاطر، والمغامرة في المجهول بعقلانيةٍ وذكاء.

إنّ رحلة النجاح ليست فرديةً، بل هي رحلةٌ مُشتركةٌ يحتاج فيها أبناؤنا إلى دعمٍ ثابتٍ من آبائهم وأمهاتهم. فهم من يُسهمون في غرس القيم والأخلاقيات التي تُقوّي شخصية أبنائهم وتُحصّنهم ضدّ الضعف والتفاهة والانحلال.

بالنسبة لأبنائنا الصغار، يُنظر إلى النجاح في البداية من خلال منظور الاستكشاف والنمو. إنه النشوة الناتجة عن إتقان مهارة جديدة، أو الإثارة الناتجة عن حل لغز صعب، أو الفخر ببناء قلعة رملية معقدة على الشاطئ. في هذه السنوات الأولى، يكون التعلم عفويًا، مدفوعًا بالفضول الفطري. تنخرط العقول الشابة في تجارب دون خوف، وتطرح الأسئلة لكشف الغموض، وتعبر عن نفسها بحماس كبير. يضع هذا الاستكشاف النشيط حجر الأساس للتعلم والتطوير مدى الحياة.

ومع نمو أطفالنا إلى مراهقين، يتطور فهمهم للنجاح، ويتحول نحو تحديد الأهداف واكتشاف الذات. ما الذي يوقد شغفهم؟ ما هي التطلعات التي يبتغونها؟ تتميز هذه الفترة من التأمل الذاتي، التي يعززها نمو مهارات التفكير النقدي، لتشكيل بداية رحلتهم نحو المستقبل. هنا، يتعلمون أهمية مواجهة التحديات مباشرة وقيمة النجاح. عندها يدركون أن النكسات ليست هزائم بل علامات فارقة نحو إنجازات أكبر.

والانتقال إلى مرحلة الشباب، يتعمق تعريف النجاح، ويتجاوز مجرد الثناء الخارجي أو المكاسب المادية ليشمل النمو الشخصي لتحقيق مساهمات إيجابية ملموسة ومؤثرة. ولهذا تؤكد هذه المرحلة على ضرورة التمسك بالقيم والمثابرة والمرونة في التعاملات، لمواجهة تقلبات وتحديات الحياة.

وهنا يبرز دور الوالدين بشكل كبير، حيث يوجهون أبناءهم خلال هذه الأوقات المضطربة بالحكمة والتشجيع. ولهذا يلعب الآباء والأمهات دورًا محوريًا في تشكيل جيل يتمتع بالإيمان والمرونة والتفكير والثقة، بدلاً من الضعف والتفاهة والانحلال عن طريق غرس القيم والمبادئ الأساسية التي تعمل كبوصلة توجيه أبنائهم نحو النجاح.

وفي الختام، النجاح هو رحلة مستمرة، وليس وجهة نهائية. النجاح رحلة متعددة الأوجه، وسعي مستمر للارتقاء، والتعلم من التجارب، والسعي المستمر لتحسين الذات وإحداث تأثير إيجابي في حياتنا وحياة أبنائنا وحياة الآخرين. ولا يتم ذلك إلا بالإيمان بأن قدرات وذكاء أبنائنا يمكن تطويرها من خلال التفاني والعمل الجاد والتمسك بالقيم والمبادئ والأخلاق لأن ذلك كله يشجع على التعامل مع التحديات بتفاؤل وثقة وإيمان، ويعزز الاعتقاد بأن النكسات والتحديات هي فرص للتعلم وتحسين الذات.