الموقف
الموقف هو الرأي الذي تحول إلى عقيدة والذي يدفع الفرد إلى سلوك محدد في جوانب الحياة المختلفة: الأخلاقية والاجتماعية والسياسية. وهذا الرأي لابد أن يستند في وجوده إلى مكونات عدة منها: المستوى الثقافي الفردي والاجتماعي، وحرية الإرادة، والاختيار المسئول المستند إلى التعليل، وإلى الاتجاه الثابت إلى العمل، قدر المستطاع، أو على الأقل، التوق إلى جعل الحياة الاجتماعية أفضل مما هي عليه. ومثل هذا الموقف يقول المهندس رياض العلي: «يعني بالضرورة تفهم الواقع الاجتماعي، والمرحلة التي تتطلب هذا الموقف» ترى «لو أن الحراك الناتج عن الموقف لم يصدر في التاريخ، ولم يتحَدَّ مرحلته، هل كنا نعيش كما نحن الآن؟ وقد ضرب مثلا بحركة الزنج وحركة الصعاليك وبموقف نيلسون مانديلا وأمثاله»
«قف دون رأيك في الحياة مجاهدا / إن الحياة عقيدة وجهاد إن أجمل ما في هذا البيت للشاعر أحمد شوقي هو ربطه الرأي بالحياة نفسها، فمن لا رأي له، بشروطه الإنسانية، لا حياة له. ولكن السؤال الوارد هنا عمن يبدلون مواقفهم، أو من يسميهم أحد المفكرين: «المثقفين الرحَّل» وأعتقد أن الرأي أو العقيدة أو الأدلوجيا لا ثنائية فيها، فالرأي إما أن يكون في اتجاه مصلحة المجتمع، أو في الاتجاه المضاد، بلا تراتب ولا نسبية، فهكذا كان موقف سقراط ومن سار على دربه. إن القيم العليا التي بناها الإنسان في مسيرته الوعرة هي التي تلد الرأي الصائب المتجه لرفعة المجتمع، وهي التي تفضح تهافت الرأي المضاد.
لن نمر بلا فضول يسأل: لماذا يغير بعض الأفراد مواقفهم من النقيض إلى النقيض، ومن الأعلى إلى الأسفل؟ والأسباب المحتملة إما أنه اعتنق الرأي من دون قناعة، فسهل عليه تغييره، أو أنه اعتنقه لمصلحة ذاتية، ولم يحصل عليها، فخرج كما دخل، أو أن النفاق ساقه مع الريح.
أليس من المضحك حتى البكاء، الكلام عن المواقف في زماننا هذا، الذي استبيحت فيه القيم، وتحولت العقيدة من الإيمان إلى العصبية، وتكاثرت الأقنعة حتى أصبح الوجه العاري عرضة للسخرية؟! أليس من المضحك حتى البكاء، أن تتأهب حاملة الطائرات الحربية الإمريكية، ويتنادى ميتو الضمائر من كل مكان لحرب بشر محاصرين في بقعة صغيرة، يمنع عنهم حتى الماء، وتصب القنابل على أطفالهم ونسائهم، وكل ذنبهم أنهم يطالبون بحقهم في بيوت ومزارع ورثوها عن آبائهم وأجدادهم واغتصبت منهم؟!