آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 2:20 ص

مذكرات أمل 11

رضي منصور العسيف *

لا يمكنني أن أنسى هذا التاريخ 20 شعبان 1427 هـ الموافق 14/9/2006 م في هذا اليوم حدث زلزال عنيف، شديد الألم، لا أعرف درجته ولكنه صدع قلوبنا، وأقرح جفوننا، أطلقت عليه «اليوم الأسود»، وإليكم التفاصيل.

كنت مع أخي سالم نشاهد المسلسل الكرتوني «هايدي»، كنت أحب هذا المسلسل كثيرا لأن فيه «كلير» تلك الطفلة المدللة، ولكنها على كرسي متحرك.. حتى وصلنا للحلقات الأخيرة عندما ذهبت كلير مع هايدي للجبل وهناك بدأت كلير محاولة المشي بمساعدة هايدي وبيتر... كنت منشدة لهذه اللحظات. حتى استطاعت أن تمشي خطوات وتفاجأ هايدي بهذا العمل... كنت أشاهد هذا الموقف حتى سالت دموعي على خدي...

نظر إليّ أخي سالم وقال: ما بك يا أمل؟! لماذا تبكين؟!

قلت له: هل سأكون مثل كلير.. هل سيأتي يوما ما وأمشي مثلكم...

دمعت عين أخي وقال بالطبع سيأتي ذلك اليوم وسأكون أنا بيتر الذي يدربك على المشي خطوة خطوة..

قال ذلك وأراد أن ينهض ولكنه وضع يده على صدره وقال: هذه القرصة مرة أخرى..

سألته أي قرصة تقصد؟!

أجابني وهو مبتسم ربما قرصة حشرة أعتقد أن منزلنا يحتاج إلى رش مبيدات حشرية...

ثم أكمل حديثه وقال غدا سأذهب للرياض مع ابن عمي، لدينا عمل ما سننجزه ثم نعود في نفس اليوم.

سألته وهل ذهابك ضروري..

أجابني ليس ضروريا ولكن ابن عمي أحب أن أرافقه في هذا الطريق...

في اليوم الثاني ودعنا أخي ونظر إلي وقال عند عودتي سأذهب معك لأرض الأمل يقصد بها تلك الجزيرة في مسلسل عدنان ولينا..

أكملت له وصف جزيرة الأمل كما قالت لينا: ”أرض الأمل أكبر من هذه الجزيرة بكثير، جزيرتي ليست سوى قرية نجت بحمد الله من الغرق في مياه البحر، توجد فيها الحقول والأشجار التي تزهر براعمها في الربيع لتعطي ثماراً يانعة في الصيف، إنها جزيرة جميلة حقاً، نعم إنها جميلة جداً...“

ثم قلت سأنتظرك.. وهناك ستدربني على المشي كما وعدتني...

كانت أمي تسمع هذا الحوار... فقالت وهل ستأخذاني معكما؟! أنا أيضا أحب جزيرة الأمل...

ضحكنا وقلت بالطبع أنت معنا كما في مسلسل هايدي أنت خالة كلير... ضحكت أمي ثم نظرت لأخي سالم وقالت لا تسرع يا ولدي ونحن بانتظارك...

مرت ساعات ذلك اليوم بطيئة.. كنت أنتقل من محطة تلفزيونية لأخرى... أريد أن ينقضي الوقت، هناك شيئاً ما يعكر مزاجي لا أعلم ما هو..

سألتني أمي ما بك لماذا أراك قلقة؟!

أجبتها لا أعلم...

في الساعة التاسعة مساءً.. جاء والدي..

سلم علينا ولكن كانت الكلمات تخبأ شيئاً ما... ملامح وجهه متغيرة... كأنه فرك عينيه قبل الدخول...

سألته أمي ما بك أبا خالد؟!

ظل أبي صامتاً للحظات...

أعادت أمي السؤال: ما بك يا أبا خالد؟!

أجابها وهو ينظر لحضنه. سالم...

سألته أمي: ما به سالم؟

أجابها أبي: في المستشفى...

صرخت أمي يا ولدي... ماذا حدث له... لنذهب إليه..

قال أبي لا داعي لذلك...

سألته امي ماذا تقصد؟!

لم يتمالك ابي نفسه... صار يبكي

قالت أمي هل حدث له حادث.. هل أصبح معاق؟! قل لي هل أصبح معاق؟!

لا تحزن يا أبا خالد سأعتني به...

فقط أخبرني.. ما به سالم؟!

كنت أنظر لهذا الحوار... لم أستطع التفوه بكلمة واحدة... حتى نطق أبي مختنقاً بعبرته: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان: آية 34] ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة: آية 156].

في هذه اللحظة دخل أخي خالد وهو يصرخ: هل صحيح يا أبي هل سالم.. هل...

نظر إلينا أبي وقال: نعم... سالم... سالم... توفي

إنا لله وإنا إليه راجعون

صرخت أمي: يا ولدي...

صرخت: مستحيل... مستحيل... لا يمكن...

لا أعلم ماذا حدث بعد ذلك...

لقد أغمي عليّ من شدة البكاء...

لقد كان الخبر صاعقاً...

أفقت من الإغماء وكانت بجانبي أمي... وهي تذرف دموعها...

قلت لها: رحل سالم... رحل العزيز.. لا أصدق ما حدث... كيف حدث ذلك... بدأت أبكي من جديد...

لم نستطع النوم تلك الليلة...

في اليوم التالي ذهب أبي مع مجموعة من أصدقائه للرياض لاستلام جثة أخي، فيما بقي خالد معنا في البيت.

جاء أخي خالد سألني ألن تنامي بعض الساعات؟

بعد إلحاح من عائلتي ذهبت للنوم..

قبل أذان المغرب عاد أبي ومعه أخي خالد.. علمت أنهم انتهوا من دفن سالم..

نظرت لأبي.. رأيته متعباً للغاية، فلم أستطع سؤاله.. توجهت لخالد سألته: هل دفنتم سالم؟ أخبرني في أي جهة كان الحادث في رأسه أو ظهره؟

نظر إلي بعين مغرورقة بالدموع.. لكنه لم يستطع الجواب.. توجه ناحية غرفته وأغلق عليه الباب...

جلس أبي صامتا والتعب والحزن واضحين على ملامح وجهه..

توجهت ناحيته وقلت: أبي عليك أن ترتاح قليلا..

بعد صلاة المغرب توجه أبي لغرفته.. وقال سوف أرتاح قليلا.. غدا سيكون العزاء..

في اليوم التالي بدأ الأقارب والأصدقاء يتوافدون على منزلنا.. جاءت عماتي وخالاتي وجلسن يواسين والدتي بهذا الحادث المؤلم...

كان مسلسل الذكريات مع أخي يتسلل لذاكرتي.. تذكرت ذات يوم أنه قال لي إذا مت سوف تفقديني.. فقلت له لا تقول هذا الكلام.. حرام عليك..

بدأت أبكي بحرقة حتى جاءت عمتي وقالت عليك أن تتحلي بالصبر.. عليك أن تدعو له بالمغفرة والرحمة...

في اليوم الثالث.. كنت صامتة، حابسة دموعي.. حتى تقدمت ناحيتي امرأة.. توقفت أمامي وقالت عظم الله لك الأجر يا ابنتي..

رفعت رأسي.. نظرت إليها.. وقلت بصوت متقطع. خالة أم عبدالله... أيعقل هذا..

مسحت دموعها وقالت وهل يعقل أن أدع ابنتي الغالية في هذا الظرف دون مواساة..

احتضنتها وقلت هل تسمحي لي بالبكاء للمرة الأخيرة..

سقطت دموعها وقالت نعم يمكنك ذلك..

..................................

انتهت أيام العزاء، ولكن لا تزال أجواء الحزن تخيم على البيت، رأيت التعب والإجهاد واضح على ملامح أبي وأمي...

ذات يوم فتحت نافدة غرفتي فوجدت سيارة سالم، فركت عيني مرة وأخرى، قلت هذه سيارته سليمة ليس بها أي آثار للحادث! لقد قال لي أنه سيذهب بسيارته، ولأن ابن عمي ليس عنده سيارة... كيف حدث هذا؟!

خرجت من الغرفة مسرعة ناحية والدي، وقلت له: أبي سيارة سالم في الخارج... في الخارج ليس بها أي حادث... هل عاد أخي... هل كان حلماً.. ماذا حدث هل هناك سر لا أعرفه؟

قال أبي: اهدئي يا ابنتي سأروي لك بقية التفاصيل ولكن عديني أن لا تبكي.

قلت له: لا يمكنني ذلك... هذا أخي... كيف لا أبكي عليه...

قال أبي: لا بد أن تعرفي بقية التفاصيل...

قبل وصول أخوك مع ابن عمك للرياض قال سالم: أشعر بالنعاس، ما رأيك أن تقود السيارة لم يبقى سوى ساعة، سوف أنام قليلا... وأرجو أن لا توقظني من نومي إلا إذا وصلنا الرياض...

نام سالم...

وواصل ابن عمك قيادة السيارة حتى وصلا الرياض... نظر إليه، خاطبه سالم لقد وصلنا الرياض، إلى أين نتجه الآن... هيا استيقظ... هيا يكفي نوم... هيا استيقظ...

وبعد عدة نداءات صرخ ابن عمك... سالم... هل تسمعني... هل أنت حي... أرجوك استيقظ... طلب الإسعاف....

عند وصولهم قالوا: لقد فارق الحياة منذ ساعة.... رحمه الله.. مات بالسكتة القلبية..

صرخت وقلت: لماذا يا سالم لم تذهب للمستشفى... لماذا...

نظرت لأبي وقلت له: إن سالم كان يعاني من مشكلة في قلبه ولم يخبرنا.. عرفت ذلك عندما وضع يده على قلبه قبل سفره...

سقطت دموع أبي وقال: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ [النحل: آية 61].

للقصة بقية،،

همسة أمل

حافظ على أخيك ما استطعت، لأنّك إذا فقدته ستخسر الصاحب والصديق والمعين والسند في الحياة الأخ لا يعوض.

كاتب وأخصائي تغذية- القطيف