آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

لا تصوروا موائدكم في رمضان

سهام طاهر البوشاجع *

ها قد أتيت يا شهر الخير في أبهى حلة تتبختر ما بين الشهور، جمالا وبهجة، تبعثر الذكريات وتعيد ترتيبها، وتدق ناقوس الفرح، فتتراقص لك القلوب وتأنس بك الأرواح، مرة كل عام، وما زلت وكأنك الفلك الدري في سماء الدنيا، تدور وتدور، وحين تريد أن تستريح، تضرب بشموخك كل الرتابة في الروتين اليومي، وتأتي نابضا بالحياة، صخبك يطرب، ودويك يزيح الهم ويجلي الكربات.

نرتقب فيك كل التفاصيل، جوعنا، عطشنا، ترانيم القرآن، وأبواب المساجد، لمة الأهل، وسفرنا الممدودة بألذ الطعام، ومن عمق السعادة فيك وفرط الشوق، نجد أنفسنا نوثقك في صفحاتنا الذكية، انستقرام، سناب شات، تيك توك، واتساب وغيرها، أحيانا مدركين ما نقوم به، وأحيانا نغفل عن بعض التبعات، ولأنك شهر الخير حين قال رسول الله ﷺ فيك في خطبته الشهيرة في استقبالك: ”تَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِكُم وَمَسَاكِينِكُم،..... إلى أن قال: وَتَحَنَّنُوا عَلَى أَيتَامِ النَّاسِ يُتَحَنَّن عَلَى أَيتَامِكُم، وَتُوبُوا إِلَى الله مِن ذُنُوبِكُم“ وأي غفلة نحن فيها حين ننسى في ظل فرحتنا بك مثل هذه التوجيهات، وننسى أننا بتصويرنا لتلك البهجة والموائد الرمضانية المتنوعة قد نؤذي الفقراء أو الأيتام ممن لا يجدون قوتهم وهم مثلنا ينتظرونك يا شهر البركة والإحسان، وينتظرون منا ما هو أكثر من تلك الصور، تمتد إليهم، وليس العطاء مجرد أموال أو كسوة أو طعام، فالعطاء الوجداني أكبر من أي عطاء، ومواساة القلوب الحزينة والفاقدة أجره وثوابه يضاهي أموال الناس كلها.

مثلكم أنا وغيري قد نغرق في غفلتنا عن ذلك وننساق مع ما يدور في المجتمعات.

يقول أحدهم: لست من أنصار تصوير الطعام في سائر الأيام، لقناعاتي الخاصة بأنه لربما والدتي أو إخوتي أو جيراني أو أحد معارفي يشتهي ما أصوره، فأحزن لعدم قدرتي على إيصال ذلك الطعام له، وأجعله فقط يتلذذ صورة مجردة من الواقع والحياة، وأدخل في دائرة الندم بعدها لماذا أنا فعلت ذلك، وفي شهر رمضان أكن حريصا على ألا أصور مائدتي لنفس السبب ولكني أحيانا أقع في المحظور وأنسى، وهكذا تدور بي دائرة الندم من جديد، ولكني أحاول أن أهذب نفسي من هذا الجانب.

وقد ظهر قبل أيام قليلة في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي مقطع مصور وتناقله الكثير من الناس، عن شخص يرجو أفراد المجتمع من عدم تصوير موائد شهر رمضان، لا سيما وأطفال فلسطين تموت من الجوع بعد أن ضربت الحرب مأواهم، وشردتهم، ومزقت بمخالبها كل متصفح للذكريات.

وعصفت بقلوبهم دماء تناثرت على كومة أحجار منازلهم المهدمة، وقراهم المحروقة، وطرقاتهم الخربة.

هكذا هو الحال هناك، ونحن هنا، الشهر هو ذاته والأيام هي نفس الأيام، والشهر هل علينا وعليهم، لكننا نرفل في النعم والملذات، وهم قد أيبس الحرمان شفاهمم وعصر أفئدتهم حزنا على من مات وألم على من بقي.

قاتل الله الحرب، فهي السم الذي يجهز على الآمال، والحديد المصهور الذي يسكب على الأحلام، والنار التي تأكل الأفراح وتقضمها حتى تحيلها إلى رماد، وتلوث الذكريات بحبر الحزن والألم، فلا نكون نحن وكاميراتنا وهي عونا على عمق الجراح فيهم، ولا نكون نحن وهي وسيلة لسبر الحزن في قلوبهم، ولا نكون ممن يريد أن يرقص على آلام الناس.

كاتبة ومحررة في صحيفة المنيزلة نيوز