لعنة الذكاء
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: آية 6] - صدق الله العلي العظيم - الحجرات.
يختلف الذكاء عن العقل. الغباء عكس الذكاء. والجنون عكس العقل. من ناحية فيسيولوجية، تتحكم القشرة الدماغية في الذكاء. بينما العقل يعتمد على أمور مختلفة، مثل الخبرات التي يتم تخزينها في الدماغ، وكيف يتعامل معها الإنسان. ليس كل ذكي عاقل. وليس كل عاقل ذكي. والذكي العاقل يصير مصيبة إن استخدم ذكاءه في الشر. قد يُصنَّف بعض الأذكياء مجانين، أو على الأقل، غير عاقلين. للذكي قدرة على حل المسائل الصعبة، ولكن ربما لا يستطيع أن يستخدمها لمنفعته إن لم يكن عاقلا.
وكثيرا ما يقع الأذكياء في أخطاء متعددة. ربما، سمع الكثير منا بقصص شارلوك هولمز البوليسية، من تأليف الطبيب آرتر كونان دويل [1] . بكل تأكيد، من يؤلف مثل هذه القصص حاد الذكاء. صَادَقَ دويل الساحرَ المجري المشهور، هاري هوديني [2] . هوديني داهية. زوجة دويل تدعي أنها تستطيع التواصل مع الموتى. وكان زوجها يصدقها. فدعا هوديني لتتواصل زوجته مع أم هوديني المتوفاة. أخذت زوجة دويل تنفخ وتهتز، ثم أخذت تتكلم باسم أم هوديني، الذي لم تنطلِ عليه الحيلة. لقد نسيت زوجة دويل أن أم هوديني لا تتكلم الإنجليزية. ولم تعلم أنها كانت يهودية. لذلك، ادعت زوجة دويل أن أم هوديني كانت تعتنق المسيحية، وأخذت تكتب عنها باللغة الإنجليزية، مما أثار حفيظة هوديني، لأنه أفضل الخبازين [3] ، ولا يمكن أن يضحك عليه من لا يجيد الخبز. الغرض، أن دويل كان مصدقا بقدرات زوجته بالتواصل مع الأرواح. وهذا مثال لشخص ذكي صدق أكاذيب وادعاءات يمكن دحضها بسهولة جدا، هذا إذا فكر مليات ونزع نظارة العاطفة.
هذه القصة توضح مفهوم ”اضطراب التفكير“، الذي يوضح كيف يمكن للأفراد ذوي الذكاء العالي أن يقعوا فريسة للمعتقدات والقناعات غير المنطقية. يظهر ”اضطراب التفكير“ في الإيمان الثابت لدى دويل بالروحانية، على الرغم من براعته المنطقية كمبتكر لشخصية شارلوك هولمز الفائقة الذكاء.
قد يفسر ”اضطراب التفكير“ «dysrationalia» اعتقاد الأشخاص الأذكياء تجاه القوى الخارقة ونظريات المؤامرة. عادةً ما تكون هذه الاتجاهات بريئة إلى حد ما. ومع ذلك، يمكن أن يصبح ”اضطراب التفكير“ خطيرًا عندما يستخدم الأشخاص ذوو الذكاء العالي قدراتهم الفكرية لتبرير المعتقدات والقناعات المغروسة في اللاوعي دون الأخذ بعين الاعتبار الحقيقة الموضوعية. علاوة على ذلك، غالبًا ما يكون لدى الأشخاص الأذكياء ”نقطة عمياء للتحيز“ أكبر قليلاً من الأشخاص ذوي الذكاء المتوسط. يعني ذلك، أنهم يعرفون قدراتهم الإدراكية فيظنون أنهم غير متحيزين - مما قد يؤدي بهم إلى تبرير ما لا يمكن تبريره.
قد يكون ”اضطراب التفكير“ أيضًا وراء التحزب في القضايا السياسية أو التأدلج. يستخدم الأشخاص الأذكياء من كل جانب معرفتهم لتقديم الأدلة التي تناسب قناعاتهم المسبقة، بدلاً من التفكير فيها بشكل موضوعي. الزهو الفكري والهوية يعززان التحيزات بشكل أكبر. وعلى هذا النحو، لا يضمن الذكاء والخبرة الوصول للحقيقة بسبب تضليل القناعات التي تم زرعها في عقل هذا الذكي من خلال التربية والاحتكاك.
الذكاء لا يمنح العقلانية بشكل تلقائي، وربما يؤدي إلى اتخاذ قرارات سيئة - بل يمكن أن يكون؛ في بعض الأحيان، السبب في إخفاقات متعددة. الالتزام بالتواضع الفكري، واستكشاف وجهات نظر مختلفة، والاعتراف بتحيزاتنا يمكن أن يحسن بشكل كبير من قدرتنا على التفكير بحكمة واتخاذ قرارات مستنيرة. هذا أمر لازب في عالم مليء بالمعلومات الخاطئة والأكاذيب. كتاب والتر شيرر يشرح بوضوح كيف ساهمت الإنترنت في تضليل الرأي العام، دون استثناء [4] .