زكي السالم.. الشاعر الذي طاف البلدان ضاحكا
أحد تعريفات أدب الرحلات حسب الأستاذ ”غوغل“ هو نوع من الأدب الذي يصور فيه الكاتب ما جرى له من أحداث وما صادفه من أمور أثناء رحلة قام بها لأحد البلدان. وتُعد كتب الرحلات من أهم المصادر الجغرافية والتاريخية والاجتماعية، لأن الكاتب يستقي المعلومات والحقائق من المشاهدة الحية، والتصوير المباشر، مما يجعل قراءتها غنية، ممتعة ومسلية. عدد كبير من الروايات والقصص يمكن أن يندرج بصورة ما تحت مسمى أدب الرحلات، فهذا المسمى الواسع كما نرى قادر على استيعاب أعمال ابن بطوطة وماركو بولو وتشارلز داروين وأندريه جيد وأرنست همنجواي ونجيب محفوظ، رغم التباين الكبير فيما بينهم؛ لكن الفكرة التي تجمعهم هي فكرة الرحلة نفسها، الرحلة الزمانية أو المكانية أو النفسية.
نحن هنا سوف نتحدث عن كتاب ”يوميات من أدب الرحلات“ للشاعر والكاتب زكي السالم.
زكي السالم الشاعر والكاتب كان يعي ماذا يريد أن يكتب، ويبحث عن شيء مختلف هرب من التقاليدية، ابتعد عن التكرار ليكتب عن أدب الرحلات التي أصبحت شبه مكررة إلا ما رحم ربي.
في كتابه ”يوميات من أدب الرحلات“ صور ما عاشه من أحداث وما صادفه مواقف طريفة، مزعجة، هستيرية، مثيرة، مذهلة، مضحكة لدرجة أن العيون تدمع، مبكية تبقى في الذاكرة، واضح من يعرف الشاعر زكي السالم، أنه لم يذكر كل شيء لأمر في نفس السالم.
صاحب ”يوميات من أدب الرحلات“ يمتلك إلمامًا بالتاريخ والجغرافية والاجتماعيات، وبروز الثقافة القرآنية التي يمتلكها وهي يبدو مخزونًا كبيرًا في الحافظة والقلب والروح، بالإضافة إلى أنه موسوعة شعرية تمشي على الأرض، وأيضا الواضح لمن يعرف الشاعر السالم عن قرب، ويعرف أصدقاءه هم إضافة جميلة ورائعة لأن تسهل عليه بعض المواقف والأحداث التي مرت عليه في سفرياته المتعددة المتلونة، والتي لربما أقول لربما جعل من صنع من بعضها موقفًا مثيرًا، فهو فعل كما يفعل النحات الذي يصنع من الصخرة وجه فرح أو جسد منهك أو إنسان تائه في الحياة.
إلا أن السالم يبدو عليه أنه يحب الفرح، وأراد أن يشارك من يطلع على الكتاب أن يفرح، وستكون الفرحة أكثر وأكثر من له ولو القليل علاقة بالقرآن الكريم وأكثر من عشاق والحافظين، ولو شيء يسير من الشعر القديم والحديث.
الشاعر بأسلوب سلس ممتع، وفي نفس الوقت عميق جعل من كتابه غنيًا وممتعًا ومسليًا لدرجة أن تفكر في زيارة الدول أو تعيد الزيارة إن كنت زرتها من قبل، فهو يجعلك تشعر أنك موجود في الكتاب لربما حصل لك نفس الموقف، خطوات في الشارع ذاته الذي ذكره، جلست على الكرسي، وتلمست الطاولة التي في المطعم الذي كان يصارع الجوع في انتظار مائدة الطعام، أو لربما صادفك نفس السائق الصامت أو الثرثار أو المثقف.
اختار السالم خمس دول من سفرياته البطوطية للحديث عنها.
ومن المواقف الجميلة كيف كان يصف الأحداث قبل وكيف، وكيف كان الشاب الذي جلس بجانبه في الطائرة كان طائر لطيفًا وخفيفًا ومغريًا للحديث معه، ولكن بعد دخل المشروب بعد أن مرى بفمه واحتل باقي جسده تحول إلى طائر أعور مخيف وكأنه القمر المخسوف.
وتحدث عن الطائرة التي أخذته إلى المغرب، فما كادت أن تلامس الأرض حتى أقلعت مرة أخرى بطريقة فجائية وسريعة ليتبين أن الطيار لم يتمكن من رؤية المدرج بوضوح بسبب الضباب الكثيف الذي نزل على مطار كازبلانكا المغربية، ولكنه بصورة كوميديا يقول ”فران على الركاب صمت رهيب، وصارت الجلبة همسا والصخب سكونا والطمأنينة خوفا والخوف هلعا والهلع هسيتريا.. كنت وصاحباي مطمئنين أو هكذا بدا لي.. فقد كنت على يقين أن الضباب هو أحقر من أن يسقط طائرة“ كيف يحول حالة الخوف إلى فرح وكوميديا تنسيك لحظة الخوف لتضحك وما أن تكمل ضحكاتك حتى تنزل الطائرة بسلام إلى أرض المطار.
عندما تقرأ الكثير من المقاطع وهذا أحدهم، تتفاجأ من مقدرة زكي السالم كيف يحول الموت إلى حياة والجماد إلى روح، يقول في يوميات ماليزيا ”فشلت أصوات محركات الطائرة الصاخبة في قض مضجع النائمين فهم ”كغرقى من سفينة سندباد“ أو كأنما طاف عليهم طائف بمبيد حشري فجعلهم كالصريم، هنا لا صوت يعلو فوق صوت الشخير، عيونهم وأنوفهم مغطاة بنظارات صوفية وأفواههم مغفورة ”لو أطلعت عليهم لوليت منهم فرارا“ أما أنا فعل العكس تماما غادرت مقعدي لأطلع عليهم واثقا أنهم لو اطلعوا علي هم من سيملؤون رعبا، كانت خطوات مرتبكة وأنا أجوب الطائرة وكفاي تزيلان أثر الظلمة أمامي.. هنا فقط أدرت أن كونا بأكمله يتأرجح بي، يا الله كم الإحساس مثير صندوق بحجم مدينة يمتطيه أكثر من أربعمائة شخص يخترق الفضاء بسرعة 1000 كم، السالم صمته صائت، يمتلك كاميرا سينمائية دقيقة في تصوير المكان ويجعل منه متحرك، ويجعل من القارئ مشارك في تصوير المكان في خياله مع رسم الابتسامة لدرجة انك كقارئ تطلب المزيد، ويصور ركاب الطائرة بشكل كوميدي رغم انهم جثث هامدة الا انه جعلهم متحركين احياء وكأنه نحات جعل من قطعة حجر بورتريه رغم انهم في سبات عميق، هي مقدرة فنية أدبية، امتلك الشاعر الأدوات فجعل منها حياة متحركة ممتلئة بالصور المضحكة رغم انه بعضها في باطنها أفكار عميقة، وهنا احد الفنون التي يمتلكها الكاتب في ان يجعل القارئ يفكر لماذا وكيف ومتى وأين.
الشاعر السالم طبق تعريف أدب الرحلات من خلال كتابه، فقد كان وصف الرحلة الواقعية التي قام بها إلى بلدان مختلفة من العالم، وقام بتدوين ووصف ما شاهده من عادات سلوك واختلاف وتصوير دقيق للمناظر الطبيعية التي شاهدها، وقد كان الشاعر زكي كان ذكي فقد كانت البداية بسرد أحداث رحلته من نقطة الانطلاق في سفره، وسار حتى وصل إلى نقطة الانتهاء، ولا يترك شاردة ولا واردة في أي مكان يستقر فيها، ثم يغادره حتى عودته إلى نقطة الانطلاق، وقد قدم معلومات مفيدة على اختلاف أنواعها سوى الديني أو العلمي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو الديني، رغم أن السالم كان مركزًا أكثر على الجانب الأدبي وهو معشوقه الأول الشعر والشعراء والشاعرات الأحياء منهم والأموات.
من يرى السالم عن قرب يرى السالم الرجل الأنيق في لباسه وحديثه وهو ما انعكس على كتابه، فقد كان دقيقًا في الملاحظة والوصف كل ما يمر عليه أو هو مر عليه للقارئ سوى جدار مبنى، أو نوعية طعام، أو طريق متكسرة، أو شخص مزعج رغم أنه ليس لديه مانع من الإزعاج الصادر من شاعرة أو شاعرة.
أختم ما كتبت بكلمة للشاعر زكي السالم عن الكتاب يقول: رغم يقيني أني لست خير من خاض فن أدب الرحلات، لكنها رغبة ملحة في أن أسهم في ملء هذا الفراغ المعرفي، وأن أدون مشاعر فياضة في حينها خوف تان يجف دفقها أو يخبو أوارها متخذًا الكتابة الساخرة منهجًا والاختزال مقصدا، حتى تكون يسيرة الهضم ومشوقة غير مملة.
أعتقد أن السالم نجح نجاحًا باهرًا في الكتابة، أجاد في تسلسل الأحداث، وكان رائعًا في دمع الكثير من القصص بأمثال وأبيات شعرية، وامتلاكه نفس سردي أدبي ساحر وكنز ثقافي وديني وتجارب وأحداث، بل إنه دخل يمتلك معرفة في نفسيات الآخرين بشكل ملفت وكل ذلك عرف الشاعر زكي السالم كيف يستفيد من خلالها في يومياته الأدبية.
الشاعر السالم طاف البلدان ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ