آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 2:20 ص

مذكرات أمل «10»

رضي منصور العسيف *

قال أبي: كانت جلسة مريحة، تشعر بالسعادة والاطمئنان وأنت تستمتع لهذه الفئة من الناس.

ابتسم علي وقال: افتح الظرف لتقرأ ما هو مكتوب.

فتح أبي الظرف وجد فيه ورقة مكتوب عليها عناوين مستشفيات أجنبية، نظر لـ «علي» وقال: هذه عناوين مستشفيات...

سأله علي: أين هذه المستشفيات...

أعاد أبي النظر للورقة وقال: إحدى هذه المستشفيات في ألمانيا والثاني في التشيك...

قال علي: نعم لقد ذهب ابن عمي لهذه المستشفيات بعد تعرضه للحادث الذي أدى لقطع الحبل الشوكي، ولكن لم يحصل على نتيجة المشي، ولكنه استفاد من العلاج الطبيعي، ولولا تلك الجلسات لما كان يستطيع الجلوس على هذا الكرسي المتحرك.

قال أبي: عرفت سبب حالة ابن عمك وماذا عن والده الحاج أبو أحمد؟

قال علي: عمي الحاج أبو أحمد كان يعمل فلاح وذات يوم سقط من أعلى نخلة، وأدى ذلك السقوط لشلله، كان ذلك قبل عشرين سنة.

نظر أبي لـ «علي» وقال: ما رأيته اليوم في هذا المجلس من إيمان وصبر وتسليم لأمر الله، أعاد لي روح التفاؤل والأمل...

ابتسم علي وقال: نعم يمكنك مراسلة هذه المستشفيات، أرسل إليهم التقارير الطبية، وإن شاء الله يكون لديهم العلاج المناسب لـ «أمل»..

قال أبي وهذا ما سأفعله.

عاد أبي للبيت وكان في غاية الفرح، نظر إليّ وقال: لقد بزغ نور جديد، نور من الأمل...

قلت: لا أفهم ما تقول يا أبي!

أخرج أبي الورقة وقال: في هذه الورقة عناوين لمستشفيات عالمية، متخصصة لمثل حالتك، سوف أرسل لهم التقارير وكلنا أمل أن نجد عندهم العلاج المناسب.

أشرق وجهي نوراً، فرحت وقلت: الحمد لله... الحمد لله..

أرسل أبي التقارير للمستشفيات في ألمانيا والتشيك...

بعد ثلاثة أيام عاد أبي وعليه علامات الحزن والكآبة...

نظرت إليه وقلت: أعرف يا أبي ما ستقوله... لقد ردوا عليك المستشفيات وقالوا لا علاج لمثل هذه الحالة...

قال أبي: نعم يا ابنتي هذا هو رد المستشفى في ألمانيا...

كانت أمي تسمع هذا الحوار، فقالت: لكنك أرسلت التقارير لمستشفى آخر في التشيك أنسيت ذلك، لا تفقدوا الأمل... سننتظر نتيجة مستشفى التشيك...

مرت أسابيع ونحن نترقب النتيجة... كل يوم أسأل أبي هل جاء الرد... فيكون جواب أبي: لا لم يصلني أي رد، لا بأس دعينا ننتظر...

بعد ثلاثة أشهر جاء الرد الصاعق...

عاد أبي وفي عينيه دمعة: وقال: للأسف جاء الرد... لا علاج...

لم أعرف ماذا أقول... بقيت صامته...

جاءت أمي ومسحت على رأسي وقالت: لا تحزني يا ابنتي... لابد أن يأتي يوم ويتقدم الطب أكثر وتستطعين المشي...

صرخت وقلت: ومتى ذلك... متى....

ذهبت لغرفتي وبقيت صامته حتى أذان المغرب...

جاءت أمي وقالت: ألن تخرجي لتناول العشاء... هذه مشيئة الله... علينا أن نؤمن بقضاء الله وقدره، وقدرته في تبديل الأحوال إلى الأفضل... هيا يا أمل لنخرج لتناول العشاء...

مسحت دموعي... وقلت الحمد الله...

ذهبت لغرفة الطعام، كان الصمت يخيم على المكان...

تقدمت ناحية أبي وقلت: لا عليك يا أبي... أنا سعيدة... انظر إلي...

نظر أبي وعينيه مغرورقة بالدموع...

قلت: لا عليكم... هيا لنتاول العشاء وبعدها نخرج للكورنيش... هيا لا نريد أن يتغلب علينا الحرن...

صرخ أخي سالم: لنذهب الآن للكورنيش... هيا لنحمل العشاء ونذهب....

قال أخي خالد: ما شاء الله عليك يا أمل... هكذا عرفتك... أمل وتفاؤل...

قالت أختي زجل: وأنا معكم... سألعب بدراجتي..

ضحك أبي وقال: السيارة جاهزة...

عادت البسمة للبيت...

قلت في نفسي لن أدع الحزن يتغلب عليّ... أمامي مسيرة طويلة... لن أقف عند هذا الحد...

.............................

بدأت فصل جديد في رحلتي مع الصلب المشقوق، رحلتي بدأت عندما أخبرتكم أن سعة المثانة 60 مل أي منذ عام 1990 م ونحن الآن في عام 2005 أنا الآن في المرحلة المتوسطة، لن أخبركم بتفاصيل تلك السنوات ومعاناتي مع التبول، ولكن في أحد الأيام عدت من المدرسة وقد بلغت مرحلة من الإحراج...

دخلت البيت، توجهت ناحية المطبخ، نظرت لأمي وقلت لها: أريد حلا لهذه المشكلة...

سألتني أمي: أي مشكلة تقصدين؟!

قلت: مشكلة التبول؟ بدأت أخجل مما أنا فيه... بلغت الخامسة عشرة ولا زلت ألبس... وبدأت بالبكاء.. هذا لا يعقل... أريد حلا...

تقدمت أمي ناحيتي وقالت: لا عليك سيكون هناك حل... فقط أهدئي... واذهبي لغرفتك وبدلي ملابسك... وغداً سنذهب للمستشفى...

تم مناقشة الموضوع بعد وجبة الغذاء وقال أبي: نعم غداً سنذهب لمستشفى الملك فهد الجامعي وسنقابل دكتور المسالك، لديك مواعيد سابقة معه، وهو يعرف حالتك جيداً منذ أن كنت طفلة...

قلت: غداً لن أذهب للمدرسة... سأطلب منه أن يكتب لي إجازة مرضية...

ذهبنا للمستشفى ودخلت على الدكتور حامد، قلت له ليس عندي موعد اليوم ولكن أريد حلا لمشكلة القسطرة، لقد تعبت منها... أصبح الوضع محرج للغاية..

تناقش الدكتور حامد مع مجموعة من الأطباء الذين كانوا بالعيادة، منهم طلاب طب، ومنهم أطباء في برنامج التخصص، وكل طالب كان يقرأ الملف ويشرح الحالة..

نظرت لهم وقلت: أنا هنا أريد حلا ولست مريضة تتعلمون عليّ...

ابتسم الدكتور حامد وقال: لك ما أردت.. يكفي 15 سنة... ثم قال: سنعمل لك قسطرة أخرى...

صرخت وقلت: لا أريد قسطرة.. عمري الآن 15 سنة... لا أريدها...

قال الدكتور: هذه قسطرة تختلف عن السابقة... سنقوم بعملية صغيرة، سنفتح فتحة صغيرة تحت السرة ونركب القسطرة... وسنقوم بالمتابعة، وتغيير القسطرة كل أسبوعين ومعالجة أي التهاب.

نظرت إلى أبي وأمي، فقالا: الخيار لك...

تناقشنا مع الدكتور، ووافقت على هذا النوع من القسطرة.

قال الدكتور: سنعمل العملية بعد غد... ما رأيك؟

قلت: نعم، ولكن اليوم أريد إجازة مرضية...

ضحك الدكتور وقال: لك ذلك، اليوم وغداً أيضاً وبعده تدخلي المستشفى لإجراء العملية...

في اليوم المحدد حضرت وتمت العملية، كانت العملية بسطية وصغيرة، جلست في المستشفى مدة أسبوع... وقبل أن أخرج قال الدكتور: تذكري ستكون لك متابعة معنا بشكل دوري كل أسبوعين أو ثلاثة لتغيير القسطرة ومعالجة أي مشكلة طارئة...

خرجت من المستشفى، كان الوضع أفضل من السابق،

رجعت للمدرسة وكنت حذرة من أي حركة خطأ قد تسبب لي مشكلة مع القسطرة... سارت الأمور بشكل أفضل... حتى جاء ذلك اليوم الذي كنت أتألم فيه من موضع القسطرة... راجعت الدكتور حامد... وبعد الفحص قال: هذا الذي لم أكن أتمناه، سبق وأن قلت لك علينا أن نغير القسطرة كل أسبوعين، تفادياً لمثل هذه المشاكل..

بعد هذه المراجعة أصبحت لي مراجعات دورية في قسم المسالك البولية لتغيير القسطرة كل أسبوعين منذ عام 2005 حتى عام 2017 م «تذكروا هذا التاريخ جيداً».. تخيلوا هذا الوضع، ألن تصابوا بالملل... والضجر؟!

*همسة أمل*

لا تيأس إذا تعثرت أقدامك.. وسقطّتَ في حفرة واسعه.. فسوف تخرج منها وأنت أكثر تماسكاً وقوة!!

يقول تعالى: ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [46 الأنفال].

للقصة بقية..

كاتب وأخصائي تغذية- القطيف