آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

هل المداراة نصف العقل؟

ناجي وهب الفرج *

تقوم وتدوم العلاقات بين البشر على التكافل والشراكة فيما بينهم، فلا بد لهم من تبادل المنافع بينهم لما سوف يعود عليهم بالخير والنفع؛ وهذا ما رمت وأصّلت ودعت له مقاصد الشريعة الغراء ودعت له وأكدت عليه في أكثر من موضع.

وحتى تدوم وتستمر تبادل المنافع بين الناس وتكون ضمن سياقها الصحيح فلا بد من الإلمام بفن وإدارة التعامل بين الناس بعضهم ببعض وإعمال فن المدارة فيما بينهم.

فالمداراة خُلُق وصفة محمودة، وبها وعليها تقوم وتستمر الكثير من العلاقات الإنسانية. فالبشر يعيشون ضمن مجتمعات، يتفاعل بعضهم مع بعض، وتتداخل حياتهم فيما بينهم، مما يقتضي تضاربًا في المصالح والرغبات، فتؤمن المداراة وسيلةً لتخطي شيئاً من هذا التضارب، فلولا مداراة الناس بعضهم بعضًا، لتقطعت أو توترت العلاقات والأواصر الأسرية، والاجتماعية والإنسانية، ولفشلة محاولات التعاون والترابط في كل أو كثير من الأعمال والنشاطات.

ومما ورد في فضل المداراة قول رسول الله ﷺ: ”مداراة الناس نصف الإيمان والرفق بهم نصف العيش“.

وعنه عليه الصلاة والسلام قوله: ”مداراة الناس صدقة“.

كما جعل للمداراة حدودًا فعن رسول الله ﷺ: ”رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس في غير ترك حق“.

وتهدف المداراة إلى جذب الآخرين للهدف المراد تحقيقه فعن الإمام العسكري - - في تفسيره: في قوله تعالى: ﴿قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً قال الصادق : ”قولوا للناس كلهم حسناً مؤمنهم ومخالفهم أما المؤمنون فيبسط لهم وجهه وأما المخالفون فيكلمهم بالمداراة لاجتذابهم إلى الإيمان“.

فالمداراة هنا يقصد بها ملاينة الناس وحسن صحبتهم وتحملهم لئلا ينفروا عنك، فيقال داريت الرجل أي لاينته ورفقت به، كما في اللغة، وتكون المداراة في حسن الخلق وحسن المعاشرة مع الناس. أما معنى المداراة في الاصطلاح فهي خفض الجناح للناس، ولين الكلام وترك الإغلاظ لهم في القول.

ومن الرفق المداراة مع الناس بحسن صحبتهم واحتمال أذاهم وعدم مجابهتهم بما يكرهون.

ولا تكون المداراة من النفاق بشيء، فالنفاق هو أن يكون الإنسان ذا وجهين، يلقى صاحبه بوجه ويغيب عنه بوجه...

والمداراة هي اللين مع الناس.

ولا تختص المداراة بالجماعة التي بينك وبينهم مودة، أو أي نوع من العلاقة، بل حتى الأعداء عليك بمداراتهم، قال الإمام أمير المؤمنين : «من أصلح الأضداد بلغ المراد».

لقد حثّ الإسلام على فضيلة المداراة مع الناس إذ قال عزَّ من قائل: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل: 125]

وورد عن النبي - ﷺ - أنه قال: ”مداراة الناس نصف الإيمان والرفق بهم نصف العيش“، وقال - ﷺ - في الحث على مداراة الناس: ”أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض“.

وعن الإمام أمير المؤمنين - - في وصيته لمحمد بن الحنفية أنه قال: ”وأحسن إلى جميع الناس كما تحب أن يحسن إليك، وارض لهم ما ترضاه لنفسك، واستقبح لهم ما تستقبحه من غيرك، وحسّن مع الناس خلقك حتى إذا غبت عنهم حنّوا إليك، وإذا متّ بكوا عليك وقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا تكن من الذين يقال عند موته الحمد لله رب العالمين، واعلم أن رأس العقل بعد الإيمان بالله عز وجل مداراة الناس ولا خير فيمن لا يعاشر بالمعروف مَن لا بد مِن معاشرته حتى يجعل الله إلى الخلاص منه سبيلاً..“.

1- القرآن الكريم.

2- الموسوعة الحرة.
نائب رئيس مجلس إدارة جمعية العوامية الخيرية للخدمات الاجتماعية