آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

حس على دمك وشارك… الكل صايم مثلك

المهندس أمير الصالح *

أين التمر؟ أين اللبن؟ أين الشاي؟ أين الماء؟ أين المكسرات؟

جوقة صوتية بنبرة عالية قد تكون طرقت أو تطرق مسامع بعضنا في فترة من الزمان الماضي أو الحالي، لا سيما في أيام العمل، في أثناء الرحلات مع بعض الشباب أو داخل بيوت بعض العوائل.

وتسمع تلك الجوقة أكثر خصوصاً في أيام شهر رمضان الفضيل في بعض البيوت وبعض التجمعات. وفي... وفي... الخ.

وقد تصدر تلك النداءات بعض الأحيان من: أنفسنا، أو من أبنائنا، أو ممن دعانا في منزله نحو أبنائه، أو من أحد أصدقائنا في استراحته، أو... أو... إلخ.

ونحن الآن على مشارف شهر رمضان المبارك حيث نزول البركة والرحمة على عباد الله الصالحين وتكبيل شياطين الجن عن بث شرورهم.

أتمنى أن تختفي لغة الأوامر «الصراخ/العتاب» بين أفراد الأسرة عند إعداد سفرة الإفطار. فليكن وجودنا وإياكم وجود رحمة وبركة على زوجاتنا وأبنائنا وبناتنا، وممن هم حولنا. ولتكن أنفسنا ترجمانًا صادقاً للتعاون والعمل الجماعي بتعاضد الجهود ومد يد العون في القيام بالأعمال المنزلية والتحضير اليومي لوجبات الإفطار والسحور في رمضان مبدئياً. ونتمنى أن تمتد تلك الروح التعاونية طوال أيام السنة تباعاً. وليبادر كل منا بالمشاركة في الاقتراح والتحضير والإعداد والتقدير للكميات للأطباق اليومية الرمضانية لضمان استهلاكها كاملاً والترتيب والمساعدة في الطبخ والغسيل للأواني وترتيب المكان.

إيماناً مني بأهمية منصة شهر رمضان التربوية، أقترح بين أيدي القراء الكرام نموذج يقلب كلمة ”وين/أين“ المفرط استخدامها من قبل البعض والموحية ضمناً على كسل صاحبها وكثرة الأوامر الصادرة منه إلى جملة ”أنا أعددت الطبق الفلاني وجلبته“ أو بمعنى آخر ”أنجزت المهمة - Mission accomplished“ بدل انتظار أحدهم أن ينجزها. نموذج العمل بالمبادرة يتكون من فقرات عدة ويمكن إعادة ضبطها وبرمجتها حسب احتياج كل أسرة:

1. الإعداد والتحضير:

ويشمل إعداد كامل مقاضي شهر رمضان وشرائها وجلبها وتخزينها.

وكذلك إعداد الأنشطة المشتركة لكامل أفراد الأسرة مع بدء أوقات إنجازها والتي تُدخل البهجة والسرور وتخلق محفزات للم الشمل الأسري وصنع ذكريات جماعية جميلة في ذهن كل أفراد الأسرة.

2. الاتفاق على الأطباق الرمضانية:

يتم طرح قائمة بالأطباق تتضمن الأطباق الروتينية اليومية: التمر واللبن، فواكه، مكسرات، شاي وقهوة. والأطباق غير الروتينية ”المتغيرة“: السلطة، شوربة، طبق رئيس 1، طبق رئيس 2، حلى.

ويمكن اقتراح وإعداد وتدارس قائمة طعام لكل يوم من شهر رمضان المبارك قبل ولوج اليوم الذي يليه مع مراعاة إمكانيات كل عائلة وقدراتها المالية والغير مالية وعددها.

3. توزيع المهمات التنفيذية للأعمال المنزلية:

وذلك في إعداد قوائم الطعام لوجبتي الإفطار والسحور قبل بداية شهر رمضان المبارك. وعلى سبيل المثال لا الحصر يتم وضع المهمة مقابل الشخص الموكل بإنجازها:

أ. الإعداد والتجهيز وجدول الأعمال... مهمة يقوم بها الابن الأول.

ب. الطبخ... مهمة تقوم بها الأم/إحدى البنات.

ت. إعداد السفرة بكل تفاصيلها ”ملاعق/شوك/ملح/فلفل/خبز/نشاف/توزيع قوارير الماء واللبن وصحون التمر“... مهمة تقوم بها البنت الأولى.

ث. جلب الأطباق بعد الطبخ وتوزيعها على السفرة... مهمة يقوم بها الابن الثاني.

ج. رفع بقايا الطعام بعد الانتهاء وحفظ ما يمكن حفظه وإعداد أطباق الفائض منه للتوزيع... مهمة يقوم بها البنت الثانية.

ح. غسيل الصحون وتنظيف مكان تناول الطعام والمطبخ... مهمة يقوم بها الابن الثالث.

ويمكن تدوير توزيع أداء المهمات بين الحين والآخر لكسر الرتابة وزراعة تنوع المهارات عند الأبناء. تحميل كل أعمال المنزل على الأم/الزوجة اعتبره شخصياً ظلماً وإجحاف وإن سكتت الأم/الزوجة عن التصريح بتعبها بسب حبها وحنانها على الأبناء. ومن الإنصاف والعدل المشاركة من كامل أفراد الأسرة ليحس الجميع بالجميع قولا وفعلا.

4. مناقشة وإعداد برامج شهر رمضان الثقافية الأسرية.

ومن أمثلة ذلك:

أ. عقد ختمة قرآنية جماعية تشمل توزيع الأجزاء بين أفراد الأسرة.

ب. حفل قراءة ختم القرآن قبيل نهاية شهر رمضان.

ت. عقد نقاش يومي خفيف وظريف عن مواضيع مهمة في صقل المهارات للأبناء مع مقارنات فكرية بسيطة مثل ”المبادرة مقابل الكسل، حب الله ومصاديق ذلك، الكرم مقابل البخل، الصدق مقابل الكذب، حقوق الجار مقابل الإزعاج، الأمانة مقابل الدناءة، الشجاعة مقابل التهور، الذكاء مقابل المكر، التجارة مقابل الربا، الصراحة مقابل الوقاحة، الجد في العمل مقابل الجشع، تربية النفس وكبح الهوى، تقوى الله وتقوى القانون، الإرادة النافذة والتمنيات، فضل إحياء ليالي القدر“.

ج. إطلاق مسابقات يومية/أسبوعية داخل البيت لتحفيز التفاعل والتواصل والتلاحم بين أفراد المنزل وتكون الجوائز رمزية ومعقولة لضمان استمراريتها.

د. مشاهدة ألبومات الصور القديمة للعائلة ومقاطع فيديو للرحلات الأسرية المشتركة وإنعاش الذاكرة الجماعية وروح الانتماء والولاء للأسرة.

ه. إعداد أهداف عائلية مشتركة توظف طاقات العائلة لإنجاحها: الالتحاق بالحج لبيت الله لذات العام، إعادة ديكورات المنزل، إلحاق أحد الأبناء بالجامعات المرموقة، تكفل عدداً من الأيتام عبر الجمعيات الخيرية، تحسين المستوى العلمي والروحي والاقتصادي للبيت... الخ.

حتماً ممارسة عادة الإعداد والتنسيق والتخطيط المبكر وحسن إدارة الوقت في إنجاز المهمات بشكل يومي خلال شهر رمضان المبارك في أجواء روحية ونفسية تسودها المحبة والتضامن والاحترام والتفاهم والوضوح سيجعل هذا الشهر نقلة نوعية ومفصلية وجوهرية لكامل شهور السنة الأخرى لأفراد العائلة، وتخلق نموذج لأجواء نفسية يُحتذى بها.

فبدل القول: أين التمر؟ أين اللبن؟ أين الشاي؟ أين الماء؟ أين المكسرات؟

يا أخي حس على دمك و...

كن أنت المبادر وقم واعد بنفسك صحن التمر واجلب قارورة اللبن واجلب دلة الشاي وصحن المكسرات. فالمشاركة الفاعلة منك أصدق من تنطع أحدهم بالكلام عن أهمية التعاون. فكسب القلوب أهم من إمضاء الأوامر. فالجميع يحتاج لجهود الجميع لتستمر الحياة بهناء وسعادة ومودة ووفاء. ولنجعل شهر رمضان نقطة البداية لتكامل الأدوار بين أفراد الأسرة داخل البيت الواحد في كل شؤونها. لنكون جميعا مصداق لشعار ”العائلة أولاً“.