آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 9:58 م

مناسبة ولقاء

عبد الله حسين اليوسف

كانت ليلة النصف من شهر شعبان لقاءً جميلًا في حياتنا، فكان الوالد والوالدة والجميع في الحي يعلنون النفير العام، نساءً ورجالًا وأطفالًا. كان الرجال والأطفال من أولاد وبنات يتجهون إلى المسجد مشيًا، حيث لم يكونوا يملكون وسيلة مواصلات إلا النزر اليسير. وكانت عدد المساجد قليلة، وكان المسجد الشرقي يمتلئ على بكرة أبيه، وحتى سطحه. وكان الإمام المحبوب، الذي نحب أن نسمع صوته الخاشع وأسلوب دعائه المميز، العلامة المرحوم السيد محمد علي «رحمه الله»، يؤم المصلين، ثم يصعد إلى السطح ويؤم الجماعة مرة أخرى، أو ينتدب أحد الشيوخ ليؤم المتأخرين.

كان الجميع يجهشون بالبكاء والعويل. وبعد الانتهاء من مراسيم الأعمال، نتسابق إلى المنزل، فتستقبلنا الوالدة، حيث كانت تؤدي الأعمال مع بعض النساء، أو من يجيد قراءة الدعاء من إحدى الجارات. كانت تستعد من الصباح الباكر بتجهيز وشراء الأدوات والمواد، وخصوصًا الدجاج الطازج المذبوح قبل يوم المناسبة، وحشوها بالبصل والبهارات ذات الرائحة الطيبة، وخياطة المؤخرة بخيط أسود، وكأنها عملية جراحية. ومن قوة الخياطة لا يفتح إلا بصعوبة بمقص أو سكين حادة وجهد كبير. وتعمل على كبسة الرز بالطريقة الأحسائية، حيث يمكنك شم رائحتها من خارج المنزل. أما هناك دجاجة أخرى توضع في كيس وتوضع في قدر يكون فيه ”شيلة“ رز، وهو مقدار معين حيث توزن بعلبة «زبدة الكرسي» مع كم رأس من البصل والطماطم وكيس صغير فيه البهارات. وترسل هذا القدر إلى أحد الفقراء والمساكين قائلة: «نحن علينا التجهيز، وأنتم عليكم الطبخ، وعليكم بالعافية».

وتجتمع العائلة، ويأتي السباق على افتراس تلك الدجاجة. ومن يقوم بفك الخيط، نحمد الله ونشكره على تلك الوجبة.

كانت الحياة على بساطتها، كم نشتاق لتلك الأيام، حيث كانت الوالدة تجهز هذه الطبخة في كل مناسبة كعلامة فارقة تصنع فيها الكبسة بمناسبة هذه الليلة. اللهم ارحم من مضى من أهلنا الذين كانوا يتسابقون في فعل الخير، ونذر النذور، وعمل الأوقاف لخدمة المناسبات، وعمل الطعام، وإفشاء السلام، وإقامة المناسبات لإيصال رسالة لتنمية الأبناء على إحيائها.

أما الآن، تعقد التجمعات في منتجع، وإحضار العشاء من الخارج، وتكون الحفلة وإحياؤها بالحديث واللعب والتسلية. وليس كل العوائل تعمل ذلك، بل تعتمد على تجمع الإخوة والأخوات التي تسير على خطى الآباء بالأسلوب الحديث.

وختامًا، رحم الله من توفى على حب محمد وآل محمد، والسلام ختام.