آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

شهر ضيافة الله

عبد الرزاق الكوي

بعد أيام قليلة، يقبل على المسلمين أشرف الشهور، أيامه أعظم الأيام وساعاته أفضل الساعات. الأنفاس فيه تسبيح والنوم فيه عبادة. كل ما فيه خير ورحمة وبركات لا تعد ولا تحصى فضائله. ما أجمل أن يكون العبد في ضيافة أكرم الأكرمين، يعطي من النعم في هذا الشهر بدون مقابل، بل العمل جزاءه أضعاف مضاعفة من الأجر والثواب.

الدعوة المباركة سلمت مسبقاً في شهر شعبان. هذا الشهر المبارك له الشرف أن يكون باباً من أبواب الاستعداد والدخول إلى شهر رمضان المبارك. فقد كان شعبان شهر الرسول ﷺ يخصه بالعبادة وتهيئة النفس للدخول في شهر الله عز وجل. كان شهر شعبان الفضيل، بما جاءت الأحاديث في فضله، يُعطى أهمية كبيرة من قبل الرسول ﷺ والأئمة .

أن تكون في ضيافة اجتماعية أو احتفالية رسمية أو مناسبة عملية، يستعد الإنسان لها خير استعداد وتهيئة حتى يواكب هذه المناسبة بما يناسبها من برتوكولات. خير شاهد النبي ﷺ والأئمة كيف يستعدون لاستقبال هذا الشهر الكريم، وهم قدوة العباد. حريٌّ أن يكون الفرد مستعداً ليكون عند حسن الظن من الاحترام والتقدير لهذا الشهر الكريم بالقيام بالواجب نحوه والاستفادة من كل الفرص المتاحة والسعي الجاد والحثيث من أجل اغتنام خيرات وبركات هذا الشهر العظيم من حيث ترتيب الأولويات ووضع برنامج يحصد فيه الخيرات.

المرء في هذا الشهر يدخل في امتحان، فالنجاح يحتاج بدل الجهد والصبر والسهر لتكون النتيجة المستحقة ما يقدمه المرء من جهد ومثابرة. فالكسالى في هذا الشهر هم أصحاب الخسائر التي لا تعوض، يتقدم الجميع وتحصد الجوائز والحسرة للمتخلفين عن ركب وتطلعات هذا الشهر. ولهذا يعيش من يعمل جاداً في فترة من فترات الشوق والعلاقة المتميزة لدخول هذا الشهر. عمل له قبل دخوله، منهم قبل شهر شعبان ومنهم خلال الشهر، عبادة وصوم وتهيئةً يقبلون على دخول الشهر بصفاء القلب وتطهير النفس والبعد عن سفاسف الدنيا لتنظيف ما اعتلى القلب من قصور خلال عام كامل. والطريق معبّد وسهل يسير في مقابل الحصاد العظيم من رب كريم لا يرد سائله ولا تحصى عطاياه. أبواب الرحمة مفتوحة، فالشقي من حرم نفسه من هذا العطاء والتعيس من اختار طريق ضياع الفرصة الذهبية.

هذا الشهر الفضيل يستحق الكثير من الأهمية. هذه ليست كأي ضيافة، لا تقارن بشيء من الضيافات الأخرى التي يعطيها المرء الاهتمام العظيم والتهيئة الكبيرة والاستعداد المضاعف، والتهذيب لحضور المناسبة بأبهى الملابس، رغم أن المقابل لا يصل إلى من سعى للتكامل والحضور القلبي في شهر رمضان المبارك. ما يعمل فيه قليل والعطاء فيه وفير ومبارك، نفعه يعم الفرد في الدنيا والآخرة.

أيامه القليلة وسريعة الانقضاء لا تذهب على الفرد هباء بالتسويف والتأجيل من قيام وواجبات وما يستحقه هذا الشهر الكريم في ظل الضيافة الكريمة من التقرب لله فيه فرصة عظيمة لا تعوض عند فواتها. أعمال الخير كثيرة ومتعددة من تلاوة القرآن الكريم والأدعية المنسوبة لهذا الشهر الفضيل ومجالس الذكر الكثيرة المتاحة وأعمال أخرى يستطيع الفرد القيام بها مثل الإنفاق وتقديم المساعدة للفقراء والمساكين بشكل مباشر أو من خلال الجمعيات الخيرية، وصلة الأرحام. فلا يكن للشيطان سبيلاً حيث يوسوس للعبد بعدم الاستعجال في القيام بواجبات هذا الشهر الكريم والاستفادة من دوره التربوي في تنقية النفس وتصفيتها والارتقاء بها إلى مستويات أفضل، بدلاً أن تصبح أوقات لهو أمام شاشات التلفزيون أو الجلوس في المقاهي أو مجالس وتجمعات وأعمال أخرى لا تأتي بالفائدة المتوخاة، خصوصاً في هذا الشهر، شهر العبادة والطاعة، شهر الحصاد.

ليتعهد الفرد والعائلة أن يكون هذا الشهر المميز، أن يكون البرنامج هادفاً ليكون محطة لرقي النفس وتطهير القلب والتزود الروحي والارتقاء إلى معالي الكمال المعنوي. أن يُعطى حقه من التقدير والإجلال والاحترام.