هندسة الطوفان
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ - صدق الله العلي العظيم - [سورة هود الآية 40].
إلا إذا لم يستفد من العلم الذي تعلمه؛ غالبا، يقوم المتعلم بهندسة الأمور ليرَ مدى قبولية حدوثها. أما الجاهل فيصدق كل ما صدّق به أجداده، دون النظر إلى احتمالية الحدوث أم لا. ولا لوم على الجاهل، كونه جاهل. الملامة تقع على من تعلم ولم يستفد مما تعلم.
تقريبا، لا تخلو حضارة من ذكر حادثة طوفان [1] . وأشهر هذه القصص ما تطرقت لها التوراة، والتي تنص على 370 يوم كمدة البقاء في السفينة [2] .
على حسب تصنيف ريتشي [3] ، هناك ما يقارب 2,16 مليون نوع من الحيوانات؛ 6,596 منها ثدييات متناثرة على وجه البسيطة. ومن الحيوانات الأخرى التي تحتاج أن تركب السفينة الطيور «11,188» والزواحف «11,733». ولا ندري إن كانت الحشرات مشمولة بالرحمة أم لا، ولكن عددها يتجاوز المليون نوع. وسنقتصر الحساب فقط على الثدييات والطيور والزواحف، والتي يقارب مجموعها 30 ألف نوع. ولأننا بحاجة إلى أزواج، علينا أن نحمل 60 ألف حيوان.
على حسب ذمة [4] ، طول أكبر سفينة بناها الإنسان لا يتجاوز 460 متر. ولو افترضنا أن عرض هذه السفينة ثلث طولها، أي ما يقارب 153 متر، ولو افترضنا أنها مربعة «لنعطيها أكبر مساحة ممكنة»، فإن مساحتها ستساوي تقريبا 70 ألف متر مربع. فلو أردنا أن نحمل كل حيوانات البسيطة على هذه السفينة فإن كل منهم سيحظى بمساحة متر واحد مربع.
على ذمة مؤسسة الأحياء البحرية [5] ، على أقل تقدير، يحتاج الفيل إلى 150 كغم من الطعام و 80 لتر من الماء «لتر الماء = 1 كغم». تصبح كتلة ما يحتاجه الفيل من قوت 230 كغم يوميا، وعلى حساب أننا بحاجة إلى أربعة أفيال «زوجين أفريقي وزوجين هندي» على ظهر السفينة، فإننا بعوز ما يقارب طن من القوت يوميا، وخلال 370 يوم، نحن بحاجة إلى 370 طن. ونكتفي هنا بالقوت الذي يحتاجه الفيلة، وحسبة الباقي عليك أيها القارئ المكرم بالعقل. وعلينا أن نعرف أننا بحاجة إلى غزلان كثيرة لإطعام الضواري، مثل الأسود، والنمور، والضباع، وغيرهم.
على حسب ذمة هذر توماس [6] وعلماء الجينات، التزاوج الداخلي للحيوانات ينتج جيلا ضعيفا وهزيلا، قد لا يمكن أن يقاوم ظروف الحياة الصعبة؛ خصوصا، للضواري لملاحقة الطرائد التي ستكون ضعيفة جينيا أيضا، وعليه من الصعوبة جدا أن تتكاثر الحيوانات من جديد من أب واحد وأم واحدة فقط.
تعالوا الآن لنحسب كمية الماء المطلوبة لتغطية جميع الجبال، كما هو مذكور في القصة التوراتية. لتغطية جبال الهملايا، نحن بحاجة على الأقل إلى ارتفاع 10 كم من الماء، وهذا يزيد عن 11 مليار كم مكعب. على حسب وكالة الجيولوجيا الأمريكية [7] ، كل الماء الموجود على الأرض بمختلف هيئته لا يتجاوز 1,5 مليار كم مكعب. هذا يعني أننا بحاجة ما يقارب 10 مليار مكعب لتغطية النقص. راجع [8] لحساب حجم الأرض، وكيف تم حساب الماء الزائد المطلوب.
على حسب ذمة المؤسسة البريطانية لمسح المحيطات [9] ، ارتفع منسوب البحر بما يزيد عن 120 متر تقريبا بعد ذوبان الجليد، أي بمعدل 1 متر في القرن إلى 2,5 في القرن على نحو أقصى. وهذه نسبة غير ملحوظة إذا قسمت على مئة سنة لأنها تدريجية.
لكننا رأينا بما فعل التسوناميات على وجه الأرض بوجود الكاميرات التي لحظتها مع معرفة أسبابها [10] ، يتضح لنا أن مثل هذه الظواهر حدثت في الماضي ودونها السابقون، وكونهم لم يعرفوا حينها السبب، عزوا الموضوع إلى غضب الآلهة، وطالما استخدمت الآلهة لتغطية فراغات الجهل، قديما وحديثا.
