التحية أولا...
كنت في أحد المحلات أنتظر الانتهاء من إعداد طلبي... دخل شاب في الخامسة عشر من عمره، تقدم نحو المحاسب وسأله عن طلبه... لم أسمع منه جملة السلام عليكم... دخل شاب آخر وتكرر نفس الشيء... وهكذا الثالث.. الصمت يسود المحل الكل مشغول في جواله وينتظر طلبه... حتى دخل رجل في الثلاثين من عمره.. كسر حاجز الصمت عندما نطق بصوت جهوري ”السلام عليكم“ رفع البعض رأسه عن جواله ورد السلام بصوت لا يكاد يسمعه من بجانبه!! فيما اكتفى البعض برفع رأسه عن جواله دون أن يتفوه بكلمة!!!
قلت وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته...
خرجت من المحل أتساءل مع نفسي أين اختفت هذه القيم الأخلاقية...
للأسف اختفى هذا الخلق النبيل الذي ينم عن مدى الحب والسلام الداخلي الذي يتمتع به كل من يبدأ بالسلام...
للأسف اختفت التحية التي تحمل معاني السلام والأمان لكل من نلقاه.
وهنا أذكر نفسي بهذه الصفة الأخلاقية والدعوة لإشاعتها في الوسط الاجتماعي.
يقول تعالى:
﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [النور: آية 61].
جاء في تفسير الميزان: قوله: ”تحية من عند الله مباركة طيبة“ أي حال كون السلام تحية من عند الله شرعها الله وأنزل حكمها ليحيي بها المسلمون وهو مبارك ذو خير كثير باق وطيب يلائم النفس فإن حقيقة هذه التحية بسط الأمن والسلامة على المسلم عليه وهو أطيب أمر يشترك فيه المجتمعان.
يقول تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا﴾ [النساء: آية 86].
جاء في تفسير الأمثل: هذه الآية تأمر المسلمين بمقابلة مشاعر الحب بما هو أحسن منها، أو على الأقل بما يساويها أو يكون مثلها، فتقول الآية: وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها.
وفي هذه "الآية هي حكم عام يشمل الرد على كل أنواع مشاعر الود والمحبة سواء كانت بالقول أو بالعمل - وتبين الآية في آخرها أن الله يعلم كل شيء، حتى أنواع التحية والسلام والرد المناسب لها، وأنه لا يخفى عليه شيء أبدا، حيث تقول: إن الله كان على كل شيء حسيبا.
عن النبي ﷺ أنه كان إذا سلم عليه أحد من المسلمين فقال: السلام عليكن يقول ﷺ وعليك السلام ورحمة الله، وإذا قال: السلام عليك ورحمة الله، قال النبي ﷺ وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، وهكذا يزيد في جواب من يسلم عليه. [1] .
وورد عن رسول الله ﷺ: إذا تلاقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح، وإذا تفرقتم فتفرقوا بالاستغفار.
وعنه ﷺ: إن من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام.
وقال الإمام الحسين : لا تأذنوا لأحد حتى يسلم.
وقال الإمام الصادق : البخيل من بخل بالسلام [2] .
وهكذا يعلمنا أهل البيت كيفية رد التحية عملياً فقد ورد عن أنس: كُنتُ عِندَ الحُسَينِ ، فَدَخَلَت عَلَيهِ جارِيَةٌ بِيَدِها طاقَةُ رَيحانٍ فَحَيَّتهُ بِها، فَقالَ لَها: أنتِ حُرَّةٌ لِوَجهِ اللّه ِ تَعالى.
فَقُلتُ: تُحَيّيكَ بِطاقَةِ رَيحانٍ لا خَطَرَ لَها فَتُعتِقُها؟!
قالَ: كَذا أدَّبَنَا اللّه ُ جَلَّ جَلالُهُ، قالَ: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ ، فَكانَ أحسَنَ مِنها عِتقُها. [3]
لإفشاء التحية العديد من الثمرات منها أنها سبب السعادة والمحبة وزيادة التآلف بين الناس، بل هي سبب البركة على الإنسان، يقول رسول الله ﷺ: إذا دخل أحدكم بيته فليسلم، فإنه ينزله البركة، وتؤنسه الملائكة.
وهي دليل التواضع حيث يقول رسول الله ﷺ: البادئ بالسلام برئ من الكبر [4] .