قراءة في «قاموس الأمثال والكلمات السائرة في الأحساء»
ليس كل باحث ومهتم بالثقافة يستطيع أن يلج موضوعًا يتعلق بثقافة المجتمع المتراكمة، قيمه وعاداته وتقاليده، تتطلب دراسة أصول وجذور المجتمع وعلاقته بالجغرافيا، ودراسة وتحليل العوامل المؤثرة فيه مثل العوامل الاقتصادية، وطبيعة مهنه وأعماله وظروف سكنه ومعيشته.
دراسة الأمثال الشعبية هي حصيلة ثقافة مجتمعية متراكمة تدخلت فيها عوامل عديدة على مر السنين، وتأسست على طبقات اجتماعية متوارثة أنتجت الأمثال لتعبر عن أفكارها والنسق المعرفي والثقافي.
المثل الشعبي أحد عناوين العادات والتقاليد الاجتماعية ومعبر عن مفردات المجتمع الشعبية، المثل الشعبي هو صياغة فنية إبداعية صاغتها عقول حكيمة وتداولت بين أفراد المجتمع وتناقلت بين الأجيال، فهي أقوال قادة المجتمع الذين يؤثرون في المجتمع بحكمتهم وفن صياغة أقوالهم بالكناية والمجاز.
الأمثال الشعبية أحد أوجه معرفة هوية المجتمع وانتماءاتها الجغرافية والاقتصادية، المثل الشعبي معبر عن تجارب أفراد ومجتمعات ووليد أحداث وقصص عاشها الأجداد وتوارثها الأبناء حتى أصبحت إحدى المرجعيات الثقافة المجتمعية، ومن الممكن _من خلال علماء الإنثربولوجيا والباحثين_ دراسة أحوال المجتمع وكيفية معيشته وما هي المفردات التي كانت يستخدمها وكيف تأثر بالطبيعة وبظروف الحياة.
من أراد إعادة قراءة التاريخ واشتمام عبق تاريخه يقرأ الأمثال ويحللها، هكذا الباحث والمهندس عبدالله عبدالمحسن الشايب أبو اليسع، الغارق في البحث الاجتماعي والمهتم بأحوال البيئة والعوامل المؤثرة في صيرورة تاريخ المجتمع.
المهندس والكاتب والباحث اعتبر دراسة المجتمع وتنميته من أهم أولوياته، فتوجهه الدراسي الجامعي بالهندسة المعمارية وعلاقتها بالبيئة يدل على اهتمامه بتاريخ المجتمع. وأول ما يبحث عنه الفرد المأكل والمسكن وظروف المعيشة التي غالبًا ما توجه المجتمع إلى نمط من الحياة تتأثر بالظروف الاقتصادية مثل واحة الأحساء الغنية بمواردها الطبيعية عاش أهلها بحالة اقتصادية رغيدة.
الباحث الكاتب المتميز أبو اليسع هو من القلائل في الوطن الذين وصلوا إلى مرحلة دراسة المجتمع من أوجه عديدة مثل العامل الاقتصادي وشكل المنزل والجغرافية وحدودها والكلمات والمفردات الخاصة التي أنتجها المجتمع بتأثير تراكمه الثقافي والمعيشي.
كتاب «قاموس الأمثال والكلمات السائرة في الأحساء» ندرك من عنوانه أنه كتاب متميز في مجتمع أصبح لديه من التراكم التاريخي الذي ينتج له مفردات وأمثال شعبية أصبحت متداولة في دول الجوار، بل انتقلت إلى مجتمعات عربية بسبب تنقل الأحسائي بثقافته المعتز بها، ثقافة تسلحت بمقومات اقتصادية قوية أنتجت مفردات من رحم عمله وحرفته ومهنته، وساعد تعدد لهجات أهل الأحساء في إثراء وتنوع الأمثال الشعبية حتى بعض الأحياء بالمدينة لهم أمثال خاصة والقرية بثقافتها صاغت أمثال شعبية من طبيعة ريفها وسكنها.
يقول مؤلف الكتاب المفكر عبدالله الشايب عن المثل الشعبي وهو الذي ذاكرته مسكونة بالموروث الاجتماعي ومهتم بالتراث بنوعيه المادي والمعنوي يقول الباحث ”المثل يعبر عن ثقافة مستدامة وتواترها يعني حالة تأصيل“ كما يضيف الكاتب عن دراسة المثل الشعبي ”حفظ المخزون التراثي للأجيال القادمة“.
كتاب قاموس الأمثال والكلمات السائرة في الأحساء الطبعة الثانية يتكون من ثمانية مجلدات حسب الحروف الأبجدية «أ - ي» مع شرح كل مثل، المجلد الأول فيه مقدمة عن مفهوم المثل الشعبي ومقابلة مع المؤلف، مع مقدمة عن اللهجات الأحسائية ومواضيع مع ضرب الأمثلة المتعلقة بها.
قاموس الأمثلة والكلمات يغني الباحث في تنوعه بعدة عناوين ومواضيع تسرد تاريخ المدينة والقرية الأحسائية وتعكس ثقافة مجتمع مكتفٍ باقتصاده من سنوات حتى شكلت لديه حصيلة مفردات وأمثال تحكي التاريخ الطويل وتنوع ثقافة مجتمعه الساكن في القرية والمدينة.
قراءة المجتمع من خلال الكلمات والأمثال دلالة على وعي الباحث واهتمامه بالموروث والتاريخ، ثقافة متراكمة ولدت لديه اهتماماً خاصا بالأمثال الشعبية المعبرة عن الخطاب الفكري الشعبي التي من وظائفها ترسيخ العادات والتقاليد واستذكار قيم الآباء والأجداد.
من خلال الأمثال يمكن تحليل الظواهر الاجتماعية ودراسة الأنساق الشعبية للمجتمع.
حسب شمولية مواضيع كتاب قاموس الأمثال التي تعبر عن حكمة وفلسفة مجتمع بأسلوب أدبي على ألسن المجتمع بشكل عفوي.
الأمثال الشعبية تشريع اجتماعي متوارث لصيانة تصرفات الأفراد في كل المجتمعات وما يزال مؤثرًا من خلال كلمات شعبية متجانسة ومتناغمة بشكل مختصر سهلة الحفظ والاستشهاد بها في الحوارات، وحين رصد تطور سلوك المجتمع.
المثل الشعبي هو قول أدبي أنتجه الفرد شفاهيًا، وأراد الشخص البسيط الذي اكتسب تجارب وخبرات أنتجت عنده حكمة أراد أن يظهرها للمجتمع على شكل مثل شعبي يتداوله الناس ويصبح درسُا مذكورًا للأجيال.
نختار خمسة مواضيع تطرق لها الباحث في قاموسه، فقد ذكر الباحث المكان وعلاقته بساكنه الأحسائي، ودرج مثلًا أصبح متداولًا بين الناس بل أصبح أنموذجًا يكرر في مجتمعات مختلفة مستمد من المثل الأحسائي وهو «الحسا حساك لو الدهر جفاك» و«كجالب التمر إلى هجر».
وفي موضوع آخر مثل الدوافع «القيم» التنموية في الأمثال الأحسائية «النخلاوي والفسيلة وبس».
وبما أن الأحساء اشتهرت بالنخلة والتمر يورد الباحث أمثلة على أهم معالم تربة الأحساء «المترجي من الفحال تمر» و«النخلة العوجة تمرها بخوص غيرها».
ولأن تاريخ الأحساء ضارب في القدم تميزت بخروفات وأساطير تناقلت من الأجداد إلى الأبناء كأمثال شعبية «السعلوة تجي بالكايلة».
ومثل آخر «جني وعطبة».
ومثل كل مسلم يقرأ القرآن ويتأثر بمعانيه وتفاسيره هناك أمثلة مقتبسة من القرآن الكريم، أو بما يعرف الآن بالتناص الذي يعاد صياغة عبارة أو مثل معتمد على بعض معاني الآيات القرآنية مثل «صدره ضيك» و«كل عسير بعده يسير».
إن جمال طبيعة الأحساء بعيونها ونخيلها وثمر شجر انعكس في نفوس أهلها، وصاغوا أمثلة تدل على الجمال مثل «البياض نص الجمال» و«يحق لها لو قالت حساوية».
ولتاريخ لأحساء العريق امتاز أهلها بالحرف والمهن والفنون، ومن أعمالهم صاغوا أمثلة أصبحت متداولة بين مجتمعات دول الخليج مثل «إسمه بطاط ومنجله مكسور» و«طكَ صخين في الندار».
الأمثلة متنوعة في مفرداتها ومتعددة في مضامنيها بين الجد والسخرية تهدف إلى حراسة قيم المجتمع بنبذ المستنكر في سلوك الأفراد وإزالة مشوهات قيم المجتمع.
الأمثال الشعبية تشريع اجتماعي متوارث لصيانة تصرفات الأفراد في كل المجتمعات وما يزال مؤثرًا من خلال كلمات شعبية متجانسة ومتناغمة بشكل مختصر سهلة الحفظ والاستشهاد بها في الحوارات وحين رصد تطور سلوك المجتمع.
ذكر الباحث ومؤلف قاموس الأمثال والكلمات السائرة في الأحساء ”استطعت أن أجمعه بلغ حوالي اثنتي عشر ألف مثل هو أقل بكثير من الواقع“، ويكمل الباحث أبو اليسع ”تعلمت الكثير من قدرة الأحسائيين اللغوية التي يعتبر من ضمنها تعدد اللهجات وتعدد الصياغات“.