قراءة في كتاب: الأخلاق والإنسان.. كيف نتخلّق بالقيم؟
- ”إنّما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق“ رسول الله ﷺ
- عنوان الكتاب: ”الأخلاق والإنسان: كيف نتخلّق بالقيم؟“
- تأليف: حسن بن موسى الصفار
- الناشر: دار الانتشار العربي - الشارقة
- عدد الصفحات: 397 من الحجم الكبير
- سنة النشر: ط1 - 2022م
يُعتبر مبحث القيم «الإكسيولوجيا»، المبحث الثالث من مباحث الفلسفة، إلى جانب مبحثي الوجود والمعرفة، والبحث في فلسفة القيم له علاقة وثيقة بالأخلاق، وقد أولى الفلاسفة والمفكرون والعرفاء - عبر العصور -، هذا المبحث الكثير من الاهتمام، حيث درجوا على تناول الإشكاليات المتعلقة به، من قبيل البحث في ماهية القيم، ومعيار الحكم فيها، وما علاقة القيم بالأخلاق، حيث ذهب الكثير منهم إلى اعتبار القيم أعم من الأخلاق، وكذلك البحث في أصل القيم الأخلاقية، ومصادر اكتسابها، هل العقل أم البيئة الاجتماعية والمعتقدات الدينية؟، وعلاقة الأخلاق بالسعادة والفضيلة، وسعي الإنسان الحثيث نحو الكمال والمعرفة والجمال، والقدرة على التمييز بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، والبُعد عن الجهل والظلم وانتهاك حقوق الآخرين..
وهذا ما جعل للقيم الأخلاقية، دورًا مهما في تاريخ البشرية، حيث ارتبط سمو الإنسان وتطور المجتمعات والحضارات، بمدى الالتزام بالأخلاق وتمثّلها، كما كان للبُعد عنها والتحلل منها، الدور البارز في انهيارها وتدهورها..
أما في الإسلام والفلسفة الإسلامية، فالأخلاق تعني الالتزام أو تمثُّل مجموعة من القيم والمبادىء والإرشادات، مصدرها الوحي الإلهي، غايتها تهذيب النفس وتزكيتها، لإيصالها إلى كمالها المنشود، حيث يتحقق معها - أيضا - القُرب من الخالق والمعبود. وقد خُلقت النفس الإنسانية ولها القابلية، إما للارتقاء والسمو نحو الكمال الإنساني، أو الانحدار نحو التردي والبهيمية، مصداقا لقوله عز وجل ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ [الشمس: 8-9].
لذلك، اعتبر الفلاسفة المسلمون الأخلاق بمثابة الصورة الباطنية للإنسان، لأنها تعكس - عبر السلوك والممارسة - ما يعتقده الإنسان وما يُضمره، من خير أو شر، من معرفة أو جهل، ومدى القُرب أو البُعد، من القيم والفضائل التي تحتضنها المنظومة الأخلاقية الإسلامية.
من هنا تبرز أهمية موضوع الأخلاق في الإسلام، والمساحة التي يحتلها - كما يقول مؤلف الكتاب الذي بين أيدينا - ضمن النصوص الدينية، وجهود القادة الدينيين، ولعلّ مراجعة عابرة لمختلف الكتب الدينية المقدسة، ووصايا الأنبياء والأئمة، تكشف لنا مدى التركيز الغالب فيها على الجانب الأخلاقي، ليس هذا فحسب، وإنما عمدت الشرائع السماوية إلى توظيف الجانبين الآخرين فيها، أي العقائد والعبادات، لتعزيز الجانب الأخلاقي.. «ص201».
كما تزداد هذه الأهمية على مستوى البحث والتأليف، من جهة، للكشف عن المنظومة الأخلاقية الإسلامية، وتميُّزها وفرادتها، في خضم ما نعيشه اليوم من تيه أخلاقي، وضياع قيمي، زاحف علينا، تحمله أشرعة العولمة الثقافية الغربية، ومن جهة أخرى، نشر الوعي الأخلاقي داخل أوساطنا الاجتماعية، وتفعيل دور الأخلاق الإيجابي، لكسر التكلسات التي أصابت الكثير من المفاهيم الأخلاقية، بسبب الفهم التراثي والسطحي للقيم الدينية، والممارسات المُتحجرة للشعائر الدينية..
أما بخصوص الكتاب الذي بين أيدينا، ”الأخلاق والإنسان: كيف نتخلّق بالقيم؟“ للشيخ حسن موسى الصفار، الداعية والمُربّي، والمهتم بالشأن التربوي والتوجيه الاجتماعي، فيُقرأ من عنوانه، حيث يدلّ التساؤل في عنوانه: ”كيف نتخلّق بالقيم“، عن الإشكالية التي تستحوذ على فصوله الخمسة، وإشارة إلى عمق الأزمة التي تعاني منها مجتمعاتنا المسلمة اليوم. حيث المُفارقة الصارخة، بين الإيمان بالقيم وتمجيدها، والتبجيل والإشادة بالنماذج الأخلاقية في تاريخنا، وبين الغياب الواضح لهذه القيم والأخلاق على مستوى الممارسة، وفي سلوكنا العام، داخل الأسر وفي الأسواق والإدارات، ومجمل العلاقات الاجتماعية، حيث ترتفع الشكوى من التردّي الأخلاقي في العلاقات الاجتماعية..
وبالتالي، فالكتاب لم يتناول الأخلاق في بُعدها الفلسفي، كما لم يناقش القضايا المرتبطة بالقيم والأخلاق، في إطار البحث النظري، أو الخوض في السجالات النظرية بين المذاهب والمدارس الأخلاقية الغربية والإسلامية، وإنما جاء جوابه على سؤال: كيف نتخلق بالقيم؟ منطلقًا أولا، من أهمية الأخلاق في الحياة الإنسانية، وثانيا، من حقائق ومسلمات معروفة، فالإسلام دين الأمة، يحتضن من خلال عقائده وتشريعاته وأحكامه وإرشاداته، منظومة قيمية وأخلاقية متكاملة ومتميزة، لكن المشكل أو الأزمة العميقة التي تتخبط فيها هذه الأمة ومجتمعاتها على المستوى الأخلاقي، تكمن في التعاطي مع هذه المنظومة القيمية والأخلاقية النظرية، من حيث الالتزام بها والاستفادة منها.. ثم الكشف عن العوائق التي تحول دون الاستفادة الإيجابية منها، ومن ثمّ اجتراح الحلول أو سُبل المعالجة لهذه الأزمة..
وعليه، فقد سلك المؤلف منهجية، تعتمد على تسليط الضوء على منظومة القيم الإسلامية، وعناصرها التفصيلية، في إطار بيان أهميتها وفضلها والنتائج المترتبة على تمثُّلها والالتزام بها، وفي الوقت نفسه الكشف عن العواقب السلبية للتحلل منها والابتعاد عنها، على المستويين الفردي والاجتماعي، وهذا يدخل في صلب المنهج التربوي الإسلامي، القائم على الترغيب والترهيب، والثواب والعقاب.
ولذلك، نجد فصول الكتاب مليئة بالحديث عن مكارم الأخلاق «العطاء، الرفق، الوفاء، الصبر،... إلخ،» وتجلياتها الاجتماعية، ومنظومة الأخلاق المتعلقة بالتعامل مع الآخرين «احترام الآخر وخصوصياته، البشاشة في الوجه، حُسن الاستماع للآخرين، الشكر، النصيحة، الفراق الجميل..إلخ»، وقد جاء الحديث عنها مقرونًا بعرض نصوص الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وروايات أهل البيت ، الدالة عليها: فضلا وثوابا وقدرة على تزكية النفس وتهذيبها.
وهذا يُحقق على المستوى المنهجي هدفين، الأول: تأصيل هذه القيم والأخلاقيات، وأن مصدرها الوحي، وهذا ما تؤمن به المدرسة الأخلاقية الإسلامية، أما الهدف الثاني، فيتعلق بمدى الاعتبار الذي تكتسبه هذه المنظومة على مستوى الدعوة إلى احترامها والالتزام بها، فهي ذات طابع رباني، وتتجلّى فيها صفات مُشرّعها وواضعها، العلم والحكمة والرحمة بالخلق..، وقدرتها على تحقيق المنفعة الحقيقية للإنسان، وما يترتب عليها من ثواب وعقاب..
من جهة أخرى، نجد المؤلف يسلط الضوء على مجموعة من الظواهر الاجتماعية السلبية، ويتناولها بالتحليل والنقد، للكشف عن علاقتها بالأخلاق، وتأثيرها السلبي على مستوى الالتزام والتطبيق، خصوصا في ميدان العلاقات الاجتماعية.
من هذه الظواهر السلبية، علاقة التدين الموروث، أو التدين التقليدي، بالتحلِّي بالأخلاق الإسلامية، وتمثلها في العلاقات الاجتماعية، فقد أكّد المؤلف أن من مظاهر هذه الأزمة، ما يلاحظ في المجتمعات التقليدية - حيث التدين التقليدي - مثلا، من الاهتمام بإنفاق المسلم الكثير من المال في الحج والعمرة وزيارة الأماكن المقدسة، وغيرها من الشعائر الدينية، ”لكنه مقصر في الاهتمام بأحوال الفقراء في مجتمعه“ «ص36». أو عدم الحرص على ”تنمية ذاته وتطوير مهاراته وكفاءته، ولا يبدي الجدية في تحمل مسؤولياته ولا يهتم بالإتقان في عمله ووظيفته“ «ص36». وكذلك يلاحظ في هذه المجتمعات انخفاض مستوى الإنتاج، وانتهاك الحقوق، وتضاؤل العمل التطوعي والتكافل الاجتماعي «ص37».
كذلك انتقد المؤلف بعض القيم التي تنتشر في أوساط المجتمع، مثل التكلف في العلاقات الاجتماعية، والبُخل والتردّد في توجيه النصيحة للآخرين، في الوقت الذي يكونون فيه في أمس الحاجة للنصيحة، وضعف التواصل الاجتماعي، وانخفاض الروح الاجتماعية عند بعض الناس، لصالح الاهتمام الفردي بالمصالح الخاصة، والتقوقع على النفس..!؟
وهذه كلها قيم على جانب كبير من الأهمية، ولها آثار إيجابية في التنمية الفردية والاجتماعية، لكن طبيعة التديّن التقليدي، قد جعلت الإنسان المسلم يتعوّد على إهمال هذه القيم، فلا يُعطيها الاعتبار الذي تستحقه، وهذا يرتبط بفهم سطحي للدين وقيمه، يغفل عن مردود الالتزام بالقيم كذلك، على المستوى الفردي والاجتماعي، وعلى مستوى الثواب والعقاب أيضًا، ويُؤكد ذلك ما ورد في الحديث النبوي: ”إن العبد ليبلغ عظيم درجات الآخرة بحُسن خلقه، وإنه لضعيف العبادة“ «ص18». وقد يرتبط هذا الوضع كذلك، بفهم ماضوي متخلف، لا يُعلي من شأن هذه القيم أساسًا. أو أنها لسبب من أسباب التخلف الحضاري، كانت غائبة عن الممارسات الاجتماعية والفردية ولاتزال.
لذلك يرى المؤلف، أن معالجة هذه الظاهرة تقتضي إعادة قراءة الدين وفق المتغيرات والمستجدات، وعدم البقاء على فهم الآباء والأجداد، خصوصا عندما يُصيب هذا الفهم انحراف أو تحجُّر، أو تتجاوزه المعطيات العلمية والفكرية الحديثة والمعاصرة.
كما لا حظ المؤلف أنّ ”الثقافة التقليدية تتجاهل الأخلاق والقضايا الأخلاقية والسلوكية، وضعف التركيز على دورها في بناء شخصية الإنسان المتدين مع أننا - يقول المؤلف - نجد كثيرًا من النصوص الدينية تُرجح بعض السلوكيات الأخلاقية على كثير من الممارسات العبادية، وتتحدث عن ثواب وأجر كبير عند الله سبحانه وتعالى لذوي الأخلاق الفاضلة والمواقف النبيلة“ «ص39». وبالتالي، فملامح الأزمة الأخلاقية في العالم الإسلامي، تتجسد في مستوى التطبيق والامتثال، وعيش الأخلاق في الحياة الخاصة والعامة، وليس في غياب منظومة أخلاقية نظرية، لها اعتبار نفسي واجتماعي..
كذلك، هناك ظواهر سلبية كثيرة على المستوى الفردي، أشار إليها المؤلف وانتقدها، موضحا كيف تغيب في سلوكيات الأفراد العديد من القيم الأخلاقية المهمة، مع أن الدين ومنظومته الأخلاقية، قد ركّزت عليها وأشادت بها، ودعت إلى الالتزام بها، وعدم الاكتفاء بالتعرف عليها أو تبجيلها باللسان فقط، وإنما الامتثال لها وتحويلها إلى فعل وتصرف وسلوك عملي، مع الذات ومع الآخرين في المجتمع.
من بين هذه الظواهر السلبية العامة، التي أشار إليها المؤلف، اهتمام الغالبية بحُسن المظهر الخارجي، والاهتمام المفرط بالصورة والشكل، مع ضعف الاهتمام بالصورة النفسية الباطنية، الجوّانية، من حيث التزكية بالقيم والأخلاق الحميدة، ولذلك نلاحظ ذلك التناقض - مثلا عند البعض - بين نظافة البدن وتناسق ألوان اللباس، يقابله سوء خلق وبذاءة في اللسان، وفحش وسفاهة عند أي موقف أو رد فعل..!؟
كذلك أشار المؤلف إلى ظاهرة سلبية - مع الأسف - تنتشر في مجتمعاتنا، ويتعلق الأمر بوجود أشخاص وفئات من الناس، يصدحون بالشعارات القيمية، ودأبهم مدح الأخلاق بألسنتهم، والإشادة بها في المجالس، والتغنّي بالمواقف الأخلاقية لدى الشخصيات التاريخية، بحيث يُخيل للمستمع أن هذا الشخص من المُقدّسين للأخلاق والملتزمين بها، "لكن سرعان ما يفتضح موقفهم الحقيقي عند تخلّيهم عن تلك القيم ساعة التطبيق.. «ص 49». مع أنّ الإسلام قد شدّد على المصداقية وضرورة قرن القول بالعمل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ ِ[الصف: 2-3].
وقد عزا المؤلف هذه الحالة السلبية، إلى عدم تجذّر القيم في النفوس، أو عدم توفُّر بيئة اجتماعية تُطبق فيها هذه القيم، بحيث يتعوّد الإنسان على تمثُّلها والالتزام بها، بحيث تُصبح لديه عادة وسليقة، وليس فقط الإشادة بها وتبجيلها باللسان. وهناك سبب آخر تحدّث عنه القرآن، وهو يُشكّل ظاهرة مرضية مستعصية على العلاج، في بعض البيئات الاجتماعية كما لدى الأفراد، وهو مرض النفاق: ﴿..يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾ [آل عمران: 167].
من هنا يؤكد المؤلف حقيقة أن ”الأخلاق حاكمة على جميع الملكات والمراتب، من حيث تأثيرها في الناس، ومن حيث المكانة التي تحفرها وسط المجتمع“ «ص17». ولذلك يدعو للاهتمام بها وممارستها، لأنّ الالتزام بها يعود على الإنسان المسلم بالخير والمنفعة والعزة والمكانة الاجتماعية..
كما أشرتُ إلى ذلك - قبل قليل -، فهذا الكتاب له بُعد تربوي وتوجيهي، لذلك، لم يكتف المؤلف بالحديث عن أهمية الأخلاق في المنظومة القيمية والأخلاقية الإسلامية، ونقد بعض الظواهر السلبية على مستوى السلوكيات والتصرفات الفردية والاجتماعية، وإنّما نجد المؤلف يتحدث - أيضًا - عن سُبل الالتزام بالقيم الأخلاقية، وكيف يتمكّن الفرد والمجتمع معًا من اتّخاذ القيم والأخلاق منهج حياة، وبالتالي، الاستفادة من إيجابيات هذا الالتزام، على مستوى الثواب الديني، وعلى مستوى المصلحة الاجتماعية وانعكاساتها الإيجابية في العلاقات الاجتماعية، وما ينجم عن ذلك من رُقيٍّ حضاري وتقدُّم وازدهار..
وبطبيعة الحال، فقد اعتمد المؤلف في حديثه عن هذه السُّبل والطرق، على ما ورد في الأحاديث والروايات، فهي الخزان المعرفي والروحي الذي لا ينضب، من أهم هذه السبل: التعوّد، أي أن يعمل الإنسان على تعويد نفسه على فعل الخير وممارسة الأعمال الطيبة، يقول الإمام علي : ”عوّد نفسك الجميل“ «ص32». واستمرار تعويد النفس على العادات الحسنة، سرعان ما يتحول إلى طبيعة وسليقة. كذلك العمل على تهذيب النفس وتزكيتها، بالمواعظ، يقول الإمام علي : ”أحْيِ قلبك بالموعظة“، وهذا ما يعرف في المنظومة القيمية والأخلاقية الإسلامية بالجهاد الأكبر، أي جهاد النفس.
من السبل أيضًا، التي تحدث عنها المؤلف، التّبني الاجتماعي لمنظومة القيم وتفعيلها على جميع المستويات، والتوقف عن تمجيدها والتغني بها فقط، ثم العمل على التربية على القيم الأخلاقية، بدءًا من المنزل والأسرة، مرورًا بمناهج التعليم في المدارس والجامعات، وانتهاء بالأجواء العامة السائدة في المجتمع، ”بحيث تكون الثقافة الأخلاقية منتشرة في المجتمع، ويكون المجتمع بيئة حاضنة للقيم الأخلاقية“ «ص 65».
كما يقترح المؤلف، إيجاد قوانين وتشريعات رادعة إلى جانب المنظومة الأخلاقية، لضبط السلوكيات المنحرفة بيد القانون، لأن البعض قد يتبلد لديهم الضمير الأخلاقي، ويحتاجون إلى الردع القانوني والعقوبة. كذلك اقترح المؤلف تعزيز القيم بالتوثيق، خصوصا في مجال الحقوق والواجبات. وتعزيز التوجهات الفردية والاجتماعية نحو الانخراط في أعمال البر والخير والإحسان.
بشكل عام، لقد احتضن هذا الكتاب الكثير مما يتعلق بمنظومة القيم الأخلاقية الإسلامية، من خلال منهجية التأصيل لهذه المنظومة، ومعالجة الواقع الأخلاقي للمجتمعات الإسلامية، ومحاولة اجتراح الحلول للتحديات التي تواجه هذا الواقع، باتجاه تحويل هذه المنظومة القيمية إلى نهج حياة، وممارسة وسلوك يومي، للوصول إلى الفضيلة أو المجتمع المثالي، الذي حَلُم به الفلاسفة، أو ”الحياة الطيبة“ بالاصطلاح القرآني: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97].
ويمكن تلخيص أهم ما توصل إليه المؤلف - بالإضافة إلى ما تحدثنا عنه بالتفصيل - في الآتي:
- محورية الأخلاق في الإسلام، وأن البُعد الأخلاقي في القرآن والسنة والروايات، له مقام الأولوية وموقع الصدارة، والأخلاق ليست قضية كمالية ثانوية، تدخل في نطاق المستحبات والمندوبات، كما ينظر إليها التدين التقليدي، بل هي الغاية والمقصد الأساس في الدين «ص37».
- للأخلاق في المنظومة القيمية الإسلامية، بُعدان، ذاتي يرتبط بإدارة الإنسان نفسه، وبُعد اجتماعي، يتعلق بإدارة العلاقة مع الناس.
- الالتزام بالأخلاق، يُحقق الكثير من المصالح، على المستويين الفردي والاجتماعي. فهو طريق السعادة والنجاح، والمكانة الاجتماعية، وعنوان نهضة الأمم وازدهار الشعوب..
- الأخلاق وسيلة للتقرب إلى الله، وبالتالي، لابدّ من الاهتمام بالبُعد الأخلاقي في جميع العبادات والشعائر، لتفعيل دورها في التربية على الأخلاق..
- لا يُوجد نقص أو قصور في المنظومة القيمية والأخلاقية الإسلامية، بل تعتبر هذه المنظومة أرقى منظومة قيمية وأخلاقية عرفها الإنسان، حيث تتجلّى فيها صفات الكمال الإلهي، لربانية مصدرها، ونُبْل ورُقيٍّ مقاصدها وأهدافها.. وأسباب الأزمة الأخلاقية التي تتخبط فيها المجتمعات الإسلامية، لها علاقة بفهم الدين وممارسته، وعصور طويلة من التخلف، وما نجم عن ذلك من أمراض نفسية واجتماعية، والقصور الواضح في المناهج التربوية والدعوية،... إلخ. لكن السُّبل لتغيير هذا الواقع ومعالجة هذه الأزمة، متوفرة، والمطلوب هو تفعيل الإرادتين: الفردية والاجتماعية، مصداقا لقوله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11]..