كما أن قدراتهن على إخفاء أعراضهن أفضل من قدرات الفتيان
لماذا لا تلاحظ أعراض الفتيات المصابات بالتوحد ولذلك لا يُشخصن لأنه لا تنطبق عليهن الصور النمطية للتوحد
بقلم بيث أركي
الخبيرتان الطبيتان: ويندي ناش، دكتوراه في الطب، سوزان ابيستان
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
المقالة رقم 359 لسنة 2023
Why Many Autistic Girls Are Overlooked
They often go undiagnosed because they don"t fit autism stereotypes and they mask symptoms better than boys do
Writer: Beth Arky. Clinical Experts: Wendy Nash، MD، Susan F. Epstein، PhD
الفتيان الذين يُشخصون بالتوحد أكثر عددًا من الفتيات: حيث يُشخص أكثر من أربعة فتيان لكل فتاة بالتوحد، وفقًا لأحدث الأرقام الصادرة عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. الباحثون يشيرون إلى الاختلافات الجينية بينهم كسبب لنسبة التشخيص هذه. لكن الأطباء والباحثين أدركوا أيضًا أن العديد من الفتيات المصابات بالتوحد عالي الأداء [ويُعرف أيضًا ب التوحد الخفيف [1] ] ”لا تُلاحظ عليهن الأعراض ولذلك قد لا يُشخصن ببساطة بالتوحد. لقد أُطلق عليهن اسم“ الفتيات اللاتي لم يتمكن الأطباء من تشخيصهن بالتوحد ولذلك يفوتهن الدعم اللازم لهن [2] ”أو“ الفتيات آلاتي يستطعن اخفاء أعراضهن ولذلك يصعب تشخيصهن [3] " وذلك لأنه قد لا يلاحظ عليهن الأعراض أو يُشخصن في سن متأخرة بالتوحد. هذه الفتيات المصابات لا تنطبق عليهن الصور النمطية للتوحد أو قد تفسر أعراضهن خطأً على أنها لشيء آخر. وقد يكن أفضل في إخفاء أعراض التوحد، على الأقل حين يكنَّ صغيرات في السن.
وحتى عندما تكون أعراض هذه الفتيات أعراض توحد واضحة لا غبار عليها، لا يلاحظن ويفوتهن التشخيص. خذ طفلي السيدة ميليسا Melissa. كل منهما مشخص بالتوحد. ولكن في حين أن أعراض ابنتها ليزا Lisa كانت ظاهرة بشكل أكثر وضوحًا بكثير من أعراض ابنها جاستن Justin، إلا أن أطباء مختلفين تجاهلوا اصابتها بالتوحد لمدة ثلاث سنوات.
تقول ميليسا: ”أن ابنتها مستوفية لجميع معايير التشخيص بالتوحد.“ عانت ليزا من تأخر لغوي معتبر [4,5] - لم تتكلم بجمل مفيدة حتى بلغت الرابعة من عمرها - ولم تكن تلعب اللعب التخيلي [6] ، وكانت تعاني من عدة نوبات غضب خارجة عن السيطرة [7] يوميًا. كما كانت هناك أيضًا أمارات أخرى، مثل صف دمى حيواناتها المحشوة في صف واحد «واحدة تلو الأخرى»، والدوران حول نفسها في دوائر، والبحث المستمر عن المثيرات الحسية [حيث تعاني من نقص المدخلات الحسية hyposensitivity وهو أحد اضطرابات المعالجة الحسية، والمعروف أيضًا باضطراب التكامل الحسي [8,9] وكما أنها تجد صعوبة في تغيير روتينها [ومن ذلك تحد صعوبة في الانتقال من نشاط إلى آخر [10] ].
على الرغم من أن الصعوبات التي واجهتها ليزا أهلتها للتدخل المبكر حين بلغت 18 شهرًا، إلا أن طبيب الأعصاب النمائي لم يشخص إصابتها بالتوحد إلا عندما بلغت السنة السادسة.
تم تشخيص إصابة جاستن ابن ميليسا أيضًا عندما كان في السادسة من عمره من أول مره فحصه الطبيب، على الرغم من أن أعراضه كانت أقل بروزًا بكثير من اخته.
”طبيب الأعصاب النمائي للأطفال الذي فحص ليزا لم يكن يعتقد بأن التوحد شائع بين الفتيات. تقول ميليسا:“ لقد جاء بتبريرات لسلوكها وأسباب لعدم استيفائها لمعايير التشخيص بالتوحد ”.“ في مرحلة ما، قيل لنا أن ابنتي تعاني من تدني تقدير الذات [11] ولهذا السبب لا تتكلم. وبطبيعة الحال، كانت مشكلاتها مجرد مشكلة تربوية. ولكن بالنسبة لأخيها لم نُخبر بهذه الأشياء أبدًا.
الفتيات المصابات بالتوحد لا يتطبق عليهن ”نموذج التشخيص بالتوحد المطبق على الفتيان“
التوحد هو اضطراب نمو عصبي [12] يتميز بنوعين غير عاديين من السلوكيات: نقص في مهارات التواصل والمهارات الاجتماعية «13»، والسلوكيات المقيدة المتكررة [وهي سلوكيات مقتصرة على اهتمام أو نشاط أو سلوك معين [14] ] أو المتكررة. غالبًا ما يعاني الأطفال المصابون بالتوحد من مشكلات في المعالجة الحسية [9] . ولكن هنا مشكلة بسيطة، وفقًا لسوزان إبستاين Susan F. Epsteinأخصائية علم النفس العصبي السريري. "لقد تبين أن النموذج الكلاسيكي الذي نستعمله لتشخيص التوحد هو نموذج مصمم ليلائم تشخيص الذكور. هذا لا يعني أنه لا يناسب تشخيص الفتيات أبدًا، لكن أعراض التوحد التي تظهر على الفتيات تبدو أكثر هدوءً ولا يظهر عليهن السلوكيات المتكررة والمقيدة بنفس القدر الذي تظهر فيه هذه السلوكيات على الذكور، أو أن هذه السلوكيات تتمظهر لديهن بطريقة مختلفة.
الصور النمطية المأخوذة عن الفتيات قد تكون حاجبًا لتشخيصهن بالتوحد. وتشير الدكتور إبستاين إلى أنه ”لذلك عندما تكون للفتيان اهتمامات بجدول رحلات القطارات، قد يكون لدى الفتيات اهتمام مفرط بالخيول أو حيوانات وحيد القرن، وهو أمر غير متوقع وغريب بالنسبة للفتيات“. "ولكن قد لا يُلاحظ مستوى الاهتمام هذا، وقد لا يؤخذ مستوى الغرابة في اهتماماتهن بتلك الجدية. قد لا تكون هذه الأعراض واضحة تمامًا للطبيب غيرالحاصل على تدريب في هذا النوع من التشخيص. وتضيف أنه مع اتساع طيف التوحد، فقد يصبح تشخيص الفتيان الأقل تأثراً بالتوحد [ممن قد لا تظهر عليهم أعراض التوحد بشكل بارز] أكثر صعوبة أيضًا.
في الواقع، وفقًا لدراسة نشرت عام 2015 من جامعة ستانفورد [15] ، تمارس الفتيات المصابات بالتوحد سلوكًا أقل تكراريةً وأقل تقييدًا من الفتيان. ووجدت الدراسة أيضًا أن الاختلافات الدماغية بين الفتيان المصابين بالتوحد والفتيات المصابات بالتوحد تساعد في تفسير هذا الاختلاف في السلوك بين الجنسين.
وتضيف ويندي ناش Wendy Nash، طبيبة نفس أطفال ومراهقين، أن الفتيات أكثر احتمالًا للسيطرة على سلوكهن في الأماكن العامة، لذلك لا يلاحظ المعلمون / المعلمات الاختلافات بين المصابات وغير المصابات بالتوحد. ”الكثير من الفتيات المصابات بالتوحد لا يدرجن ضمن المصابات بالتوحد لأنهن قد يتبادلن الابتسامات مع غيرهن أو قد يكون تواصلهن البصري [16] أفضل قليلاً من الفتيان المصابين بالتوحد أو لأن لديهن دوافع اجتماعية أكثر [أي لديهم ميل للإنخراط في المجتمع ويجدون ذلك مجزيًا يعود بالنفع عليهن ويعملن على تطوير الروابط الاجتماعية والحفاظ عليها، بحسب التعريف [17] ]. توضح الدكتور ناش أنه“ قد لا تلاحظ عليهن أعراض ”. إذا كانت الفتيات مهتمات بالعلاقات الاجتماعية لكنهن غير طبيعيات، وهو الحال بالنسبة لغالبية هؤلاء الفتيات المصابات بالتوحد،“ أعتقد أن الناس لا يعيرون لذلك انتباهًا ويقبلون سلوكياتهن غير الطبيعية كما هي. "
تقول الدكتور إبستين أن هناك سببًا آخر للتشخيص الخاطيء للفتيات المصابات بالتوحد، أو تشخيصهن في سن متأخرة. الفتيات المصابات بالتوحد غير المشخص غالبًا ما يعانين من الاكتئاب [18] أو القلق [19] أو ضعف في تقدير الذات [20] ، وقد لا يقوم الأطباء ”بالفحص الدقيق والجاد لتشخيص“ الخلل الوظيفي الاجتماعي social dysfunction" الناجم عن التوحد [الهلل الوظيفي الاجتماعي: مثل الشعور بالخجل والقلق حين يكن بالقرب من النآس، بحسب التعريف].
تضيف الدكتور ناش أنه يمكن أيضًا تشخيص هؤلاء الفتيات خطأً باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة. وتقول: ”وجدتُ الكثير من الفتيات اللاتي يُشخصن باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة وهن صغيرات في السن، على الرغم من أنهن يستوفين بالفعل معايير التشخيص بالتوحد“. ”هناك فرط نشاط دون وجود قدر كبير من القصور الاجتماعي [21] social impairment [المترجم: يأخذ القصور الاجتماعي أشكالًا عديدة بما في ذلك الانسحاب الاجتماعي - تجنب المواقف إلاجتماعية والتواصل مع الأصدقاء - والعدوان العلائقي - يحدث فيه الضرر لشخص ما من خلال الإضرار بعلاقاته أو وضعه الاجتماعي، بحسب التعريف] أو نوع مختلف من القصور الاجتماعي، لذلك لا تلاحظ إصابتهن بالتوحد.“
الفتيات المصابات بالتوحد ”يخفين أعراضهن“... على الأقل لفترة زمنية
سبب آخر لعدم تشخيص حالة الفتيات بالتوحد هو قدرتهن على ”إخفاء أعراضهن“.
تقول الدكتور إبستين: ”هؤلاء الفتيات يبذلن جهودًا لتدبير أمورهن“. "قد لا يفهمن ما يحدث، لكنهن سيحاولن المضي قدمًا وتقليد ما يرونه من أفعال غيرهن. وقد يفلتون من ملاحظة اصابتهن من قبل الآخرين حتى الصف الثالث أو الخامس الابتدائي، ولكن بمجرد وصولهن إلى المرحلة الإعدادية والثانوية، تبدأ تظهر عليهن كمشكلة.
كان هذا هو الحال بالنسبة لليزا، التي تبلغ الآن 13 عامًا. تقول ميليسا عن ابنتها: "إنها أقل نضجًا من الناحية العقلية من قريناتها غير المصابات بالتوحد، والفتيات معقدات جدًا في أساليب تصرفاتهن من الناحية الاجتماعية. من الصعب جدًا عليها الاحتفاظ بأصدقائها [22] بسبب اصابتها بالتوحد، واسمحوا لي أن أخبركم أن الفتيات اللاتي تبلغ 13 سنة لا يتقبلن شخصًا مختلفًا عنهن.
تكلفة عدم التشخيص
تقول الدكتور إبستاين إن الفتيات المصابات بالتوحد غير المشخصات بعد ينتهي بهن الأمر إلى تساؤل كل منهن ”ما هي المشكلة التي أعاني منها“، مما قد يؤدي بهن إلى الاكتئاب والقلق وفقدان تقدير الذات. ولذلك يعملن بجد حتى يتلاءمن مع المجتمع حولهن مما يجعلهن يشعرن بالإرهاق. ”وكل هذا بسبب محاولتهن تقليد غيرهن ويفعلن ما يفعله من حولهن“، كما تقول. فإذا كن فقط يحاولن التقليد دون أن يفهمن أو يستوعبن ما يحصل، فهذا يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لهن.
تقول الدكتور ناش إن التوحد الخفيف لدى الفتيات غالبًا ما يُشخص أول مرة بسبب ظهور هذه المشكلات الاجتماعية، أو من إصابتهن بالاكتئاب بسبب التوحد. وتقول: ”في اللاتي نسميهن مصابات بالتوحد الخفيف، هناك مشاكل اجتماعية في سن المراهقة أو يبدو أنهن يركزن بشكل مفرط على موضوع ما ولا يشاركن في المدرسة بقدر ما لديهن من إمكانيات أو قدرات كامنة“. "يمكن أن يكون الاكتئاب أكثر شيوعًا بين الأطفال المصابين بالتوحد الخفيف. لذلك سوف يتعرضون لشيء مثل الاكتئاب أو ضعف الأداء المدرسي. ثم أصبح من الواضح بالنسبة لي أن لديهم اهتمامات مقيدة ومشكلات في التواصل الاجتماعي”.
وهناك تكلفة أخرى لعدم التشخيص وهي فوات الدعم المبكر لبناء المهارات [23] . تقول الدكتور إبستين: ”نحن نتحدث عن التدخل المبكر“. ”عندما تشخص الفتيات في سن متأخرة، يفوتهن الكثير من التدخلات الاجتماعية التي تصبح أكثر صعوبة لاحقًا. وهذه هي المشكلة بالنسبة لأي شخص يُشخص متأخرًا بالتوحد.“
وتتفق الدكتور ناش مع هذا الرأي، مضيفة هوؤلاء تفوتهن فرص الحصول على الدعم المناسب في المدرسة وكذلك الدعم من الناحية الاجتماعية:“من الناحية الأكاديمية، يصعب عليهن التركيز على المواضيع والدروس خارج نطاق اهتمامهن [وذلك بسبب سلوكياتهن المقيدة]. وهذا ينطبق على المشخصين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة وحتى بدرجة أكبر على الأطفال المشخصين بالتوحد.
مخاطر على سلامة الفتيات المصابات بالتوحد
قد تتعرض الفتيات المصابات بالتوحد للتنمر لمجرد أنهن ”مختلفات“. أيضًا، تقول الدكتور إبستاين، نظرًا لأن هؤلاء الفتيات يفتقدن للإشارات الاجتماعية [24,25] ويرغبن في أن يكنَّ محبوبات، فإن التوحد الذي يعانين منه يمكن أن يجعلهن أكثر سذاجة. وهذا يجعلهن فريسة سهلة لأي شخص يحاول استغلالهن، سواء كان متنمرًا أو معتدٍ جنسيًا. تقول الدكتور إبستاين: ”ربما ترغب الفتيات في التفاعل ولكنهن لا يفهمن ماهيتها، ولا يفهمن الإشارات الاجتماعية الدائرة حينئذ“. "قد يكن متأثرات عاطفيًا والإنجذاب لكن لا يفهمن ماهية المخاطر التي ربما يتعرضن لها. وفي بعض الأحيان، حتى لو ثُقفن، فإنهن يحتجن إلى دعم مستمر حتى يتمكن من الحفاظ على سلامتهن.
تقول ميليسا إن هذا ما حدث لـ ليزا. وتقول: ”كان علي أن أفكر في المشكلات التي تتعرض لها المرأة في سن أبكر مما كنت أتوقع“. ”لقد تعرضت بالفعل لحادثة لمس من قبل أحد الصبية، واعتذرنا له لأنه كان معاقًا أيضًا، ولم يفهم أن ما فعله كان خطأ“.
تضيف ميليسا أن إحدى أعظم نقاط القوة لدى ابنتها هي مدى تقبلها للآخرين. وتقول: ”إنها دائمًا تشعر بالطيبة عند الناس، حتى عندما يعاملونها معاملة سيئة“. ”ولكن لأنها متقبلة ولطيفة جدًا، فقد يستغلها الآخرون بسهولة أو التنمر عليها، ولن تنبس ببنت شفة“.
تشير الدكتور ناش إلى أن هناك مجالًا للدراسة لإعادة تقييم طريقة مساعدة الفتيات المصابات بالتوحد: ”هناك أبحاث موسعة عن مدى اختلاف الفتيان عن الفتيات فيما يتعلق بالتوحد ومدى ما تحتاج علاجاتنا إلى أن تكون أكثر ملاءمة لأعراض التوحد لدى لفتيات مقابل أعراض التوحد عند الفتيان.“
لكن يجب أولاً التعرف على هؤلاء الفتيات المصابات بالتوحد والاعتراف بإصابتهن وقبولهن كمصابات بالتوحد «26». وسيتطلب هذا المزيد من الوعي من جانب أولياء الأمور والمعلمين والأطباء.