في زمن التواصل الاجتماعي «الشعوربالوحِدة» ناقوس الخطر للألم المزمن
”وأسيرُ وحدي والحياة كأنها نغمات حزن صامت بفؤادي؟ طال الطريق وبالطريق حكاية بدأت بفرحي.. وانتهت.. بسهادي!.“
هذه الأبيات للأديب فاروق جويدة قد تهادت في فكري عندما كنتُ أستمع لقصة إحدى مراجعاتي في العيادة من أصحاب الألم المزمن.
قصتها قد نبهتني وفتحت لي أبعاد جديدة للتعامل مع حالات الألم المزمن وفهم خصائصه على مستوى أعمق من ما كنت أتصور.
هذه المريضة كانت تعاني من ألم الظهر المتواصل من قُرابة ال 15 عاماً ونوبات التهيج متقاربة وعالية الشدة، على الرغم من أنها قد تلقت علاجات مختلفة بلا نتيجة تُذكر بحسب رؤيتها، وعندما زارتني في جلسة الفحص كان مستوى الألم أعلى من أي كلمة قد تصف شدته، فكنت أتوقع بأن رحلتي العلاجية معها ستأخذ بعض الوقت كعادة حالات الألم المزمن.
ولكن النتيجة كانت صادمة بالنسبة لي، لأنها عندما زارتني في الجلسة الثانية كان مستوى الألم 2 من 10 حينها قد اعتلت وجهي علامات التعجب، وكانت لحظة صمت وتفكر بالنسبة لي، لأن العلاج الفعلي لم يبدأ معها واقعاً، فكيف وصلنا لهذه النتيجة!!؟
حاولت إعادة الفحص والبحث أكثر معها، ولم أتصور يوماً بأن الشعور بالوحدة هو ناقوس الخطر للألم المزمن، وقد يكون السبب في المعاناة لكل هذه السنوات، وإن كل العلاجات قد تقف عاجزة عندما تتمكن الوحدة من حياة الفرد فتُهيج من ألمه.
كانت عاملة في السلك الطبي وزوجة وأم، وحياتها كانت مُكتظة بالنشاطات وفجأة أصبحت أرملة، واغترب وانشغل عنها أبناؤها وتقاعدت مُبكراً بسبب معاناتها من ألم الظهر، وأصبحت تعاني من الوحدة، ولا تجد من يُعينها ويساندها في هذه الحياة.
حينها فقط أدركت بأن ألمها المزمن لم يكن يبحث عن علاج تقليدي البتة، وإنما كان يبحث عن الاهتمام والألفة، فكان ذلك جواباً شافياً لكل تساؤلاتي.
إن العلاقة بين الألم المزمن والشعور بالوحدة علاقة قوية جداً وهي علاقة ثنائية الاتجاه أيضاً؛ لأن العزلة والوحدة وعدم وجود الداعم النفسي والسند في الحياة هي من أهم العوامل الأساسية المهيجة لنوبات الألم، فقد يُحرم المريض من مزاولة حياته الاجتماعية والنشاطات التي كان يستمتع بها في الماضي.
ونتيجة لذلك قد يُفضل الأشخاص الذين يعانون من الآلام المزمنة الانطواء والعزلة، حتى لا يكونوا عرضة للتبرير المتواصل أو نظرات الشفقة أو حتى عدم تفهم البعض لحالتهم واتهامهم بالمبالغة، خصوصاً عند نوبات الألم غير المتوقعة.
إن الأشخاص الذين يعانون من الشعور بالوحدة هم أكثر عرضة لممارسة بعض العادات غير الصحية؛ لأنهم قد يرون في ذلك باباً للتعويض عن هذا الشعور المؤلم الذي هو في الواقع أكثر ألماً لديهم من الألم الحقيقي بعين ذاته، فقد يلجأون إلى تناول الطعام غير الصحي بشراهة والإفراط في التدخين وشرب المنبهات بكثرة، والتي قد تمنعهم من النوم وتسبب مشاكل الأرق.
فإذا كنت من أصحاب الألم المزمن وقد استشعرت في نفسك هذه الأمور فلا بد من حل المشكلة وعدم تركها تتفاقم؛ لأن الشعور بالوحدة لا يؤثر فقط على رفاهية الفرد، وإنما يؤثر على الصحة العامة وبالتالي لا بد من البدء في كسر دائرة الألم المزمن المرتبط بالوحدة حتى وإن استدعى الأمر للاستشارات النفسية للسيطرة على هذا الشعور المرتبط بالألم.
أما إذا كنت من الأفراد الذين شغلتك الحياة عن أحد أفراد أسرتك الذي يعاني من الألم المزمن، وقد نهشت الوحدة ما تبقى منه، فقد تكون هذه لحظة انتباهه لك لتُنقذ ما تبقى من روحه وجسده.
فرفقاً بهم وبآلامهم ودمتم بصحة وعافية وأمل…