أنت مريض نفسي؟
بسبب ضعف الوعي في بعض المجتمعات، يُنظر إلى المريض بمرض نفسي بنظرة دونية رغم حملات التوعية التي وضحت أن المرض النفسي مثله مثل المرض الجسدي لأن الإنسان مكون من روح ونفس وجسد وكل هذه تتعرض للعلة. ولكل مكون مختص لعلاجه فالطبيب البشري مُوَكَّل بمرض الجسد، والطبيب النفسي والأخصائي النفسي مُوَكَّل بالمرض النفسي، والمرشد أو المربي الأخلاقي والعرفاني مُوَكَّل بالمرض الروحي وأشرفهم مكانة المختص بالأشرف بينهم وهي الروح والنفس.
لذلك من الطبيعي مراجعة الطبيب النفسي والأخصائي النفسي، فالأول يُعنى بتشخيص المرض ووضع العلاج الكيميائي المناسب له والثاني مَعنِيٌّ بالعلاج السلوكي المعرف، و”العلاج المعرفي السلوكي (بالإنجليزية: Cognitive behavioral therapy) اختصارا (CBT) هو تدخل نفسي اجتماعي يهدف إلى تحسين الصحة العقلية يركز العلاج المعرفي السلوكي على تحدي وتغيير التشوهات المعرفية غير المفيدة (مثل الأفكار والمعتقدات والمواقف) والسلوكيات، وتحسين التنظيم العاطفي وتطوير استراتيجيات المواجهة الشخصية التي تستهدف حل المشكلات الحالية. في الأصل، تم تصميمه لعلاج الاكتئاب، ولكن تم توسيع استخداماته لتشمل علاج عدد من حالات الصحة العقلية، بما في ذلك القلق. يشمل العلاج المعرفي السلوكي عددًا من العلاجات النفسية المعرفية أو السلوكية التي تعالج أمراضاً نفسية محددة باستخدام تقنيات واستراتيجيات قائمة على الأدلة“ [1] . على كل حال، من الحقائق التي تقدمها دراسات وبحوث الصحة العالمية التالي [2] :
- يؤثر الاضطراب النفسي على شخص واحد من كل 8 أشخاص في العالم
- تنطوي الاضطرابات النفسية على اختلالات جسيمة في التفكير أو ضبط المشاعر أو السلوك
- هناك أنواع كثيرة ومختلفة من الاضطرابات النفسية
ففي ”عام 2019، كان هناك 301 مليون شخص مصابين باضطراب القلق، منهم 58 مليون طفل ومراهق“ و”هناك 280 مليون شخص مصابين بالاكتئاب، منهم 23 مليون طفل ومراهق“ و”هناك 40 مليون شخص يعانون من الاضطراب الثنائي القطب“ و”هناك 14 مليون شخص يعانون من اضطرابات الأكل، منهم 3 ملايين طفل ومراهق تقريباً“ و”هناك 40 مليون شخص، منهم أطفال ومراهقون، يعانون من اضطراب السلوك غير الاجتماعي“ وأن انفصام الشخصية يؤثر على ”24 مليون شخص تقريباً، أو على شخص واحد من كل 300 شخص في أنحاء العالم بأسره“.
ولكن الملفت هنا، هو أن الناس تُقبل على الطبيب البشري والطبيب النفسي أيُّما إقبال ولكن الطبيب الروحي يكاد أن يصبح مهجورٌ تماماً ﴿... وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ (سورةُ الحج آية 45). نعم في الدرجة الأولى هذا دور الأنبياء والأوصياء ولكن العلماء الأتقياء الورعين نهلوا من نبع محمد وآل محمد وتشربوا بعلومهم ونهجهم وتعاليمهم حتى أصبحوا مصداق لمفاهيم الآيات والروايات حتى قيل عن أحدهم أنه لم يفعل مكروهاً فضلاً عن الحرام وهو العلامة الطباطبائي رضوان الله عليه كما نقل عن الشريفين العظيمين الرضي والمرتضى رضوان الله عليهما أن أحدهما قال للآخر أنا لم أفعل مكروه فرد الآخر أنا لم أفكر أن أفعل مكروه، من باب الملاطفة طبعاً. والحوزة والمجتمعات المتدينة لازالت ولَّادة بمثل هؤلاء الأفذاذ ودلالة على ذلك أن ما يجب توفره في إمام الجماعة هو العدالة و”... هي الاستقامة في جادّة الشريعة المقدّسة الناشئة غالباً عن خوف راسخ في النفس، وينافيها ترك واجب أو فعل حرام من دون مؤمِّن، ولا فرق في المعاصي من هذه الجهة بين الصغيرة والكبيرة، وترتفع العدالة بمجرّد وقوع المعصية وتعود بالتوبة والندم“ [3] . وبحمد الله صلوات الجماعة منتشرة مما يعني أن هناك استعداداً إن لم يكن ملكة للإرشاد الروحي وإن كان الأفضل هو طَرقُ أبواب العلماء المختصين في ذلك بل من يشار بالبنان إليه منهم لأن الروح مكون لطيف جداً فبالتالي يحتاج إلى دقة وتجربة عميقة جداً وراسخة.
أحد علمائنا العرفاء مد الله في عمره الشريف قال في إحدى محاضراته وهو يشكو من غفلة الناس عن هذه النقطة ما مضمونه ”الناس تبادر وتركض لعلاج قلبها المادي ولكن القلب المعنوي يصاب بآلاف العلل وكأن شيئاً لم يحصل فيصاب القلب بالأمراض القلبية كالإدبار والقسوة والجفاف الروحي [4] وصاحبه يعيش حالة من اللامبالاة والغفلة والنوم العميق حتى أصبح ميتٌ بين أحياء“ ولعله لذلك ورد في حق أكثر الناس أو الغالبية العظمى في الرواية الشريفة [5] عَن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السّلامُ): النّاسُ نيامٌ إذا ماتُوا انتبَهُوا، وقال تعالى ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ (سورةُ ق آية 22).
ومما لا شك فيه هو أن الروح والنفس والجسد تتفاعل ببعضها البعض [4] ، فالدكتور محمد الحاجي ذكر في تدوينه الصوتي (podcast) ”آدم“ المعنون بـ ”كيف نتعامل مع الإقصاء والتجاهل“ أن الأثر الفسيولوجي على الجسد بسبب التعرض لتنمر أو أذى نفسي هو نفس الأثر الذي يحدثه المرض العضوي [6] . وفي الرواية عن النبي الأعظم ﷺ: ”إن هذه القلوب تملُّ كما تملُّ الأبدان، فأهدوا إليها طرائف الحكم“ [7] .
1. الإنسان مكون من روح ونفس وجسد وبينهما تفاعل جوهري، لكل مكون أمراض وعلاج ومعالج.
2. المرض النفسي ليس عيباً ومثله مثل المرض الجسدي والعيب هو عدم الاعتراف به وعدم الاهتمام به وعدم علاجه.
3. الروح أسمى ما في الإنسان لذلك ينبغي الجهاد من أجل السمو بها من خلال مجاهدة النفس.
عن أبي عبد الله ”أن النبي ﷺ بعث سرية فلما رجعوا قال: مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر فقيل: يا رسول الله ما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس“ [8] .