تجربة الحب الماليزية 2
لا يعود ذلك القدر من التماسك، الذي يجمع الماليزيين، إلى حبهم لوطنهم فحسب، وإنما يُعزى كذلك إلى ما يُعرف في هذا البلد بروح ”المحبة“، وهي مفردة مأخوذة بلفظها ومعناها من اللغة العربية بحيث كما تقول الدكتورة قمر أونيا قمر الزمان، الباحثة والأستاذة الجامعية المتخصصة في الدراسات الدينية، إن مفهوم ”المحبة“ في ماليزيا، يرتبط بالتآزر والعمل الجماعي، أو التفهم، والعناية ببعضنا بعضا، والتعاطف، والارتباط بصلات قربى.*
فرغم حجم التنوع العرقي والديني واللغوي في ماليزيا، فقد جذب هذا التنوع معه صوراً متعددة من الثقافات الأسرية والاجتماعية في العادات والتقاليد في حياة الماليزيين اليومية. من تلك الصور، حيث تتعدد أنواع الأغذية، على سبيل المثال، تبعاً لاختلاف الثقافات وتداخلها: ترد الأطعمة الصينية من مختلف أرجاء الصين، ولكن يُعتبر الطبق الرئيسي لمعظم الصينيين هو الأرز المسلوق. بينما يفضل الهنود الطعام الذي يحتوي على كمية كبيرة من التوابل، وفي حين يُشكل الأرز الغذاء الرئيسي للهنود القادمين من جنوبي الهند، نجد أن الهنود الوافدين من شمالي الهند يستخدمون دقيق القمح غذاءً رئيسياً.
ونجدها في احتفالات وأعياد الماليزيين، إذ يحتفل جميع الماليزيين بالعديد من المناسبات الدينية، لكن هذه المناسبات قد تكون ذات دلالة عرقية خاصة. فالمسلمون يحتفلون بعيدي الفطر والأضحى. والعطلات الرسمية مرتبطة في ماليزيا بالتقويم الإسلامي، ولكن العطلات الرئيسية حسب التقويم الميلادي والصيني تجد عناية خاصة. وحيث ينتمي معظم الهنود الماليزيين للديانة الهندوسية، كما هناك مجموعات صغيرة من السِّيخ، فنجد أن من الاحتفالات الرئيسية للهندوس احتفال الأضواء أو ديبا فالي وثايبوسام. وللبوذية أتباع من الصينيين، فعيد ويساك يمثل بالنسبة لهم ثلاثة أحداث مهمة هي ميلاد بوذا وبعثه ومماته. والطائفة المسيحية تحتفل بأعياد ميلاد المسيح الخاصة بهم، وفي هذه المناسبة تُعرض أشجار الميلاد وغيرها من الزينات في الفنادق والمجمعات التجارية.
ومن المعالم الملفتة للنظر في مدينة جورج تاون كبرى مدن جزيرة بنانج وجود مختلف دور العبادة الهندوسية والبوذية والمساجد الإسلامية والكنائس الإنجليكانية. ولم يمنع هذا الاختلاف في الثقافات من تكون ثقافة مشتركة وعادات مشتركة بين الماليزيين عبر العقود الطويلة من العيش المشترك، والأمثلة كثيرة، ومنها رقصة الجوغت التي تُعد أكثر الرقصات شعبية في ماليزيا، وتؤدى في المهرجانات الثقافية واحتفالات الزواج وغيرها من المناسبات الاجتماعية.
ورغم أن الدين الرسمي هو الإسلام، إلا أن الدستور يكفل حرية العقيدة، وعدد الأديان في ماليزيا شاهد على التسامح الديني. ويمكن القول: أن كل الديانات العالمية الرئيسية لها أتباع في ماليزيا، وتمارس تأثيرها الثقافي على هذا البلد المتعدد الأعراق. وفي المقطع المرفق ما يعزز فكرة المقال بعنوان: ”كيف نجحت ماليزيا في تجربة التعايش السلمي الفعال بين الأديان رغم التعددية؟“