الإمام علي عليه السّلام.. العدالة
العدالة من قيم الإسلام الأصيلة والسامية، وتمثلت قيمتها وتجسدت على أرض الواقع في شخصية الإمام علي ، فمن أراد أن يعرف معنى العدالة في الإسلام وتطبيقها بكل شفافية، فلينظر ويدرس ذلك في شخصية الإمام علي ، فقد كان سباق عصره في كمال شخصيته في جميع الأحوال بشكل عام، ومنها ارتباطه بشكل خاص بالعدالة بشكل استثنائي شهد لهذه الفضيلة العالم حتى يومنا هذا لم يشهد له التاريخ مثيل.
«إنّه أوفاكم بعهد الله تعالى، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزية» فطريق تطبيق العدالة من الأمور الشائكة، فقد أخذ أمير المؤمنين على عاتقه إرساء مبادئ العدالة، رغم وحشة الطريق ووجود طابور يحارب مبدأ العدالة لعدم توافقه لتطلعاتهم، فكان الصابر المحتسب يقاوم، عدو لدود للظلم وصديقا وفيا للمظلومين، عاش هذا الهم، وحمله كما حمل أعباء الدفاع عن قيم الدين الحنيف.
«القوي العزيز عندي ضعيف حتى آخذ منه الحق، والضعيف الذليل عندي قوي حتى آخذ الحق له». وقد رسم الإمام علي هذه الأولوية بناءً على اتباعه منهج رسول الله ﷺ، لذا كانت خطبته الأولى في اليوم الثاني من البيعة تعبِّر عن ذلك، إذ قال فيها: «وإني حاملكم على منهج نبيكم ﷺ، ومُنفذ فيكم ما أُمِرت به إن استقمتم لي، وبالله المستعان، ألا إنّ موضعي من رسول الله ﷺ بعد وفاته، كموضعي منه أيام حياته».
فالعدالة تعتبر من الأصول الرئيسية الهامة والضرورية، ومن الأهداف الأساسية في الإسلام من أجل حياة كريمة للإنسان بجميع مستوياته ودياناته وأعراقه وألوانه، فكرا عاشه الإمام علي من أجل الإنسانية جمعاء، استمرت هذه الفضيلة من بعده في الأئمة من أبنائه وصولا لمنقذ البشرية وتطبيق العدالة في الأرض القائم من آل محمد عجل الله فرجه وسهل مخرجه ورحم الله تعالى البشرية بمقدمه.
العالم اليوم في ظل الأوضاع العالمية وانتشار الحروب والقتل على الهوية والمجاعات والفقر والأزمات الاقتصادية والمشردين في بقاع العالم كل ذلك تحتاج إلى قيم الإمام علي عليه فهو النموذج الصالح والقيادة الحكيمة لحياة زاخرة بالعدل، حتى يومنا هذا يكتب عن عدالة الإمام لم تنجب الإنسانية بعد النبي ﷺ لعدالة تمثلت في شخص كما تمثلت في شخصية الإمام علي .
قال : «أيها الناس! أعينوني على أنفسكم، وأيم الله لأنصفن المظلوم من ظالمه، ولأقودنّ الظالم بخزامته، حتى أورده منهل الحق، وإن كان كارها». فالحياة عند أمير المؤمنين لا تسوى شيئاً إن لم تطبق فيها العدالة، حتى لو كلف ذلك حياته الشريفة، فلا مكان عنده لمظلوم لا يأخذ حقه من ظالمه ولا ظالما من محاسبته على ما اقترفت يداه، مهما كانت هذه الشخصية وما لها من نفود، يثاب المرء على عمله، ويحاسب المسيء بما يناسب فعلته لا فرق لاعتبارات أخرى، فكان إنصاف الجميع شغله الشاغل وعمله الدؤوب لم ينحز لعائلة معينة، ولم يركن لقوى ضغط، كان الجميع عنده سواسية في الحقوق المفروضة والعطاء متبعا ومنفذا قيم الدين الحنيف، تجسدت العدالة في مشروعه، فكان صوتها والعامل بها، لم يكن شعار من أجل مصالح دنيوية أو تحقيق مكانة اجتماعية أو أهداف خاصة، طبقها عمليا وليس نظريا كموروث عقائدي استمدّه من تربية الرسول ﷺ ومصاحبته له منذ طفولته حتى انتقاله إلى الرفيق الأعلى، لذلك أعطى للعدالة معنى طبقها على نفسه الشريفة أولا، فارتبطت هذه الفضيلة به وعرفت باسمه، ساوى نفسه بما له من مكانة عظيمة مع سائر أفراد المجتمع، يأكل كما يأكل أضعفهم، ويلبس كما يلبس فقيرهم، يتساوى في العطاء كأحدهم، تقبل الجميع بصدر رحب حتى مخالفيه لم يمنع عنهم العطاء، وتقبل الرأي الآخر المخالف إلا من خرج للقتال، وشق أمر الأمة.
الرسول ﷺ أكمل الدين، ومن بعده طبق الإمام قيم الدين بكل عدالة ومواساة بصورة متكاملة في جميع مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من ضروريات الحياة الهامة والمصيرية. وأرشد الرسول الأكرم ﷺ إلى من يساويه في العدل، فقال ﷺ: «يدي ويد علي بن أبي طالب في العدل سواء».
الرئيس السابق للأمم المتحدة كوفي عنان رئيس أكبر منظمة عالمية، بما لها من قوانين اجتمع على تأسيها كبار العلماء وعظماء المفكرين والحقوقيين جمعوا فيها آراء عالمية مختلفة لتأسيس قيم حقوقية من أجل السلام العالمي، ينادي بأن تدرس الأجهزة الحقوقية والقانونية في العالم عهد الإمام علي لمالك الأشتر، وتكون أحد مصادر التشريع للقانون الدولي، وصوتت غالبية دول العالم كون عهد الإمام علي لمالك الأشتر كأحد مصادر التشريع للقانون الدولي، ذلك جزء قليل من عظمة ومكانة الإمام علي بما قدم من تراث راق بقى على مدى الدهر، فالإمام ليس محصورا في مساحة محدودة ومكان ضيق في منطقة صغيرة، بل فكر يعانق السماء حكمة وعدالة ومساواة، وأن إخفاء هذا الفكر جريمة في حق الإنسانية وتحديده الشخصية بحجج طائفية أو دينية أو أمور سياسية خسارة عظمى، المتخلف عن قيم الإمام وخالف منهجه خسر الدنيا والآخرة، فالمقولة الشهيرة في حقه «ما أقول في رجل أخفى أعداءه فضائله حسدا، وأخفى أحبائه فضائله خوفا، ثم ظهر بين هذا وذاك ما ملاء الخافقين».
كل حرف يكتب ويقرأ من سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، ما هي إلا نور للقلب وقربه ما أعظمها وأجلها من قربه وعبادة يتعبد بها إلى الله - سبحانه وتعالى - ودعاء يبلغ مداه إلى السماء، هنيئا للمحبين أن يتقربوا لله تعالى باتباع هذا القرآن الناطق والإمام العادل.