آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 6:06 م

ماذا يعني أن ”السعودية أولاً“؟

حسن المصطفى * النهار العربي

هنالك التباس كبير في فهم التفكير السعودي حالياً، لدى عدد من المحللين السياسيين والمراقبين، وحتى نزرٍ من المختصين في مراكز الدراسات، حيث أن بعضهم لا يزال ينظرُ إلى المملكة من خلال ذات القنوات القديمة، ويحاول أن يسقط عليها مقولات كلاسيكية، ثبوتية، وكأن الزمن متوقف لا يتحرك، أو أن التأريخ دائري، يعيد انتاج نفسه، فيما الأكيد أن هناك ”برادايم“ سعودياً جديداً. ونموذج التفكير هذا، أشارت له ”رؤية المملكة 2030“، عندما وضعت ثلاثة أهداف رئيسة لها، وهي: مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح!

هذه الأهداف الثلاث تعد محركاً رئيساً لمختلف التغيرات الاجتماعية والثقافية والإدارية والاقتصادية، وحتى فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للمملكة؛ لأن هنالك تكاملاً في الأداء بين مختلف الأجهزة الحكومية، من خلال ما يشبه ”المطبخ الرئيس“ الذي يضع الاستراتيجيات، ويرسم السياسات، ويدفع نحو التفيذ ومراقبة الأداء، ومراجعة خطط العمل، كي تكون مرنة وفعالة بما فيه الكفاية، ما يضمن تحقيق المستهدفات.

هذه الحيوية الإدارية، والصرامة والدقة في آن معاً، جعلت هنالك تواصلاً بين مختلف الوزارات، من خلال الاشتراك في تحقيق أهداف ”رؤية المملكة 2030“، دون أن يكون هنالك تداخل في المهام، وأيضاً من دون أن تكون هذه الوزارات جزراً معزولة، وهنا تبرز أهمية ”مجلس الشؤون الأمنية والسياسية“ و”مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية“، لا لكونهما يتابعان تطورات المشاريع الموكلة لهما وحسب، بل بوصفهما بيئة إيجابية للعصف الذهني وتبادل الأفكار ونقاشها بشكل مفصل قبل إقرارها.

إذاً، التطور الذي يشتغل عليه من أجل ”الحوكمة“ ورفع كفاءة أجهزة الدولة، وأيضاً المجتمع المدني، والقطاعين العام والخاص، يرتكز هو الآخر لقاعدة أساسية، وهي: السعودية أولاً!

هذه القاعدة لا تعني العزلة، أو التقوقع على الذات، أو الانكفاء إلى الداخل، أو عدم الاكتراث بما يحدث في الإقليم! إنما، ”السعودية أولاً“ تشير إلى أن مختلف السياسات الداخلية والخارجية يتم وضعها بما يخدم المصالح الوطنية السعودية، ويحقق الأمن والاستقرار، ويدعم الاقتصاد المحلي، ويحقق الرفاهية للشعب السعودي، بما يلبي طموحه في العيش ضمن إطار دولة مدنية حديثة، يؤدي فيها واجباته، وينال حقوقه كاملة، تحت سقف القانون.

من هنا، نجد أن الكثير من السعوديين، ورغم الأوضاع المضطربة في الإقليم، إلا أنهم منخرطون في إنجاز المشاريع الاقتصادية الكبرى التي أعلنت عنها ”رؤية المملكة 2030“، ومواصلة الأنشطة الثقافية والفنية والرياضية؛ رغم النقد الكبير الذي وجهته بعض الجهات الخارجية لأهداف سياسية وحزبية، تريد أن تستغل الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة، من أجل التصويب ضد دول الاعتدال العربي، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية، في حملة تقودها جماعات ”الإسلام السياسي“، وهي الحملة التي تستحق أن يفرد لها مقال مستقل - مستقبلاً - للوقوف على أهدافها المضمرة!

”من يراقب سلوكَ السعوديين اليوم في التعاطي مع ما تتعرَّض له بلادهم من حملات إعلامية أو هجمات مُنظّمة، يُدرك حقيقةَ بلوغِهم مستويات عاليةً من الثقة بالنفس، لدرجة أنَّ رأياً عابراً، وإن كانَ يتجاوز النقد إلى القدح، أو يتجاوز المقبول إلى اللامقبول، لن يتوقفوا عنده كثيراً، أو ربما لن يلتفتوا إليه أصلاً“، كما جاء في مقالة د. ناصر البقمي، بعنوان «السعوديون لا يكترثون!»، والتي نشرتها صحيفة ”الشرق الأوسط“، الأحد 21 كانون الثاني «يناير» الجاري.

البقمي أشار في مقالته إلى نقطة غاية في الأهمية، وهي أن ”الشعور بعدم الاكتراث، وكيف ينظر إلينا الآخرون، تحول لدى السعوديين إلى كيف نرى نحن العالم والمستقبل، وكيف يمكن أن نؤثر فيه عبر رؤيتنا التي أصبحت نموذجاً يحتذى“، أي أن السعوديين لم يعودوا متلقين سلبيين، بل أخذوا زمام المبادرة، وبات لديهم وعي هوياتي، مبني على المعرفة والتعلم والخبرة، وليس مجرد زهو أو غرور سطحي؛ وهذا الوعي الذي يبتنى يومياً لدى شرائح واسعة، عزز منه ثقة القيادة السعودية في شعبها، وهي ثقة عبر عنها الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، في أكثر من مناسبة.

إذاً، لم يعد الكثير من السعوديين اليوم حبيسي ما يكتب عنهم سلباً في وسائل التواصل الاجتماعي، أو الإعلام الأجنبي، بل باتت لديهم القدرة على التمييز بين نقد الذات بغرض تطويرها، وبين الحملات الممنهجة التي تروم تحبيط المجتمع وإثارة السخط والسلبية.

التفكير في المستقبل، والمشاركة في صنع الحضارة، والمساهمة في التقليل من التوترات والحروب والفقر والأوبئة وأزمات المناخ؛ هو ما يشغل السعوديين اليوم، إنشغال جعلهم يدركون أن التغيير الإيجابي والحقيقي يبدأ من الداخل، وإلى الداخل، وعبر الكفاءات الوطنية، لأن ”السعودية أولاً“، وفي ذلك مصلحة السعودية والإقليم.