آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

تحول الثقافة من النخبة إلى المجتمع

من المعروف أن إدراك الثقافة والاهتمام بأبعادها الأدبية والعمق التاريخي لمعارفها وتبني التحقق من أبحاثها وأطروحاتها المتجددة يشكل ظاهرة اجتماعية نخبوية في المجتمعات الإنسانية.

وتعد النخبة المتقدمة ثقافياً أو مُعلمة ”المجتمع“ هي في أصلها التاريخي نمط من التفكير يراه بعض المفكرين، ويدّعون أن لها السبق المعرفي في تفاصيلها ما يعطيها زمام تثقيف المجتمع.

إلا أن النقد المثار على الثقافة النخبوية وما رصد من إشكالية عليها بأنها ثقافة القلة من أفراد المجتمع، وأنها ثقافة محتكرة ”النخبة“ للمعرفة في فئة قليلة منعزلة عن المجتمع، إضافة إلى وجود فجوة كبيرة بين إيصال الإرث الثقافي من الأدباء والكتاب والمثقفين إلى شرائح المجتمع المتنوعة.

من ذلك تأتي أهمية تحويل الثقافة من النخبوية إلى ثقافة مجتمعية ونقل الإرث الثقافي والأدبي إلى المجتمع، فهو يمثل الأكثرية والهوية الوطنية لكل بلد.

وتطور الثقافة في المجتمع الإنساني لا يتوقف فنمط الثقافة المجتمعية يعطي جميع الفئات الثقافية المختلفة دورا ثقافياً فاعلا في المجتمع، ويمكنها من المساهمة في الإنتاج الثقافي الوطني المشترك؛ مما يحقق التكامل الثقافي.

ولعلنا مستقبلاً نشهد ملامح تحول وتغير يبشر بنهاية المعرفة النخبوية في المجتمع الإنساني لاسيما أن الثقافة طابعها إنساني الوجود والحضور وبداية نشأة ثقافة مرموقة ”للعقل الجمعي“.

وعلى الصعيد المحلي فإن الحراك الثقافي يشهد تطوراً وتحولاً ملحوظ شمل تطور القطاع الثقافي في المؤسسة الرسمية وقطاع المجتمع الخاص وإشراك المجتمع في التطوير الثقافي والانفتاح على الثقافة المجتمعية وتحويلها من ثقافة نخبوية تتكرر فيها العناوين والأسماء والوجوه إلى ثقافة مجتمعية منفتحة على كل فئات المجتمع، فلم تعد الثقافة وأنشطتها المختلفة ومناسباتها المتنوعة تقام في القاعات والصالونات المغلقة، وإنما تم دمج شرائح المجتمع في بناء وتطوير الثقافة وتوسيع تفاعل المجتمع مع المعرفة.

ويُعد القطاع الثقافي في المؤسسة الرسمية من أكثر القطاعات التي شهدت تحولاً كبيراً في المملكة، وفي مختلف القطاعات الثقافية من الأدب والترجمة والنشر، مروراً بالأزياء والطهي، وليس انتهاءً بقطاع الأفلام والموسيقا.

وكل هذا التطور يستهدف النهوض بالقطاع الثقافي، الذي تم إسناده إلى برنامج جودة الحياة، وتقوم بتنفيذ مبادراته وزارة الثقافة.

ومن ذلك ما تمثل في فسح تنظيم الفعاليات والأنشطة الثقافية المنعقدة في المقاهي وتفعيل زيارات المكتبات المجتمعية الخاصة وإيجاد منصة رسمية تدعم وتطور مؤسسات المجتمع الثقافية الخاصة والمرخص لها من قبل الجهات الرسمية.

وتتضح معالم التحول الثقافي في المشاركة المجتمعية وتوسع دائرة الثقافة العامة من خلال منصة هاوي وبروز مجاميع للمعرفة ومشاريع ثقافية بمسميات تبرز التنوع الثقافي المطروح في ميادين الثقافة والمعرفة.

وهذا مؤشر لتحول مستقبلي كبير على صعيد المشهد الثقافي ونقلة نوعية من المستوى الثقافي المغلق على النخبة إلى مستوى جديد لتنمية الثقافة العامة، فقد شهدت محافظة الأحساء مؤخرا تدشين الكثير من الأندية الثقافية المجتمعية، ومنها نادي شغف القراءة والشريك الأدبي ونادي فكر، وهذا على سبيل الحصر، ولا يسع ذكرها جميعا، وذلك من خلال منصة هاوي الرسمية وهي البوابة الوطنية للهوايات إحدى مبادرات برنامج جودة الحياة وأحد برامج رؤية المملكة 2030، وتهدف لتنظيم وتطوير وتفعيل قطاع الهوايات المجتمعية من خلال إنشاء وتسجيل أندية الهواة وتقديم الدعم اللازم لهم.

والانفتاح الثقافي على الشراكة المجتمعية له دور رئيس في تنمية الثقافة والمعارف لدى جميع فئات المجتمع مما يرفع سقف إنتاج الثقافة على المستوى المحلي والعربي، ويساهم في بناء جيل جديد من الطاقات البشرية المبدعة تحمل سمات الفكر والثقافة.