آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 6:12 م

‏الفجوة التمويلية بين رفع الضرائب ورفع الاقتصاد

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الاقتصادية

لا أعرف ما الذي أتى بذكر”ضريبة الدخل على الأفراد“، لكن لكل سؤال جواب - كما يقال - وقد طُرِح السؤال في”دافوس“، وأتت اجابة السؤال من وزير المالية، وانتشرت تلك الإجابة عبر المنصات. لكن هل الاقتصاد السعودي مقبل على مزيد من الضرائب، سواء المباشرة أو غير المباشرة؟ كذلك إجابة وزير المالية تضمنت هذا الجانب بوضوح. الوضوح قضية ضرورية لتطمين الشرائح كافة، أفرد ومستثمرين محليين وأجانب على حدٍ سواء. لننتقل كيف تعالج الدول“الفجوة المالية”، وما الحل الناجع؛ هل يأتي من خلال المزيد من الضرائب والرسوم، أم من خلال“تكبيّر الكعكة”فتكون حصة كل من له علاقة أكبر وأسمن؟

تهم قضية“الفجوة التمويلية”ليس فقط الحكومات بل كذلك الأفراد وللشركات والدول، وهي قضية لم تفارق الاقتصاد العالمي ولا دوله لحظة، بل هي تظهر للواجهة بقوة مع اقتراب آجال ما استدانته دول من أموال إبان جائحة كورونا؛ فما يقترض من مال لابد أن يسدد وفوقه فوائد القرض.

تعالج الدول هذا التحدي بطرقٍ متعددة، وفي أحيان لا تعالجه من خلال إطار مُحكم فتكبر الفجوة فيتولد عن ذلك نكبة تهدد الاستقرار الاقتصادي، كما نشاهد في بعض في امريكا الجنوبية وبعض دول الجوار، فالحلول التسكينية تفقد مفعولها سريعاً وتعود الأمور لما كانت عليه وربما بحدةٍ أكبر. اجمالاً، حل“الفجوة المالية”الجذري ليس حلاً مالياً، إذ أن الحل المالي ليس مستداماً، أما الحل المستدام فلا مفر من أن يكون مرتبطٌ وتابعٌ ونابعٌ ومرتكزٌ على الحال الاقتصادية. أما فرض المزيد من الضرائب في حين ترنحالانشطة الاقتصادية فسيعني مزيداً من الضغط على عوامل العرض والطلب، وبالتالي تعميقاً للفجوة ولاستطالة أمدها.

كيف نعالج الفجوة التمويلية معالجة مستدامة، والفجوة تعني قصور الايرادات عن تغطية المصروفات؟ ثمة طرق سهلة لا تتطلب كثير تنظير، بأن نرفع الايراد أو نخفض التكاليف أو كليهما. وهذه واضحة. أما الطرق غير السهلة فهي:

1. كيف نرفع الكفاءة الداخلية حتى تضيق الفجوة التمويلية، وهذا تحدي.

2. كيف ننمي الايرادات بأن ننوع مصادرها؟ وهنا الخيارات عديدة: أن نزيد النشاط الاقتصادي ونحفزه، وقد تتطلب زيادة النشاط تمويلاً. لكن - بداهةً - زيادة التمويل دون زيادة في النشاط ستكون عبئاً.

إذن - وبدون طول سيرة - فالمعالجة الجذرية الاقتصادية تعني“تحسين الانتاجية”إبتدأً ووسطاً وانتهاءً. بمعنى أن ردم الفجوة التمويلية يتطلب إبداعاً وتفكيراً وهندسةً، وليس في مجرد زيادة الأعباء إبداع. أما الابداع في هذا السياق فيعني إجتراح طرق نابعة من فهم دقيق للواقع الاقتصادي لرفع الكفاءة باستمرار ودون هوادة، وهذا هو ديدن التحضر البشري منذ بداياته، فالمجتمعات الأعلى انتاجية وبوتيرة متصاعدة هي التي سيطرت اقتصادياً وتحولت من اقتصادات صغيرة ضامرة إلى كبيرة وتمتلك زمام المبادرة، فتحقيق قفزات انتاجية هي كلمة السر المنفردة لتحقيق الرفاه والبحبوحة والتفوق والتصدر. لنأخذ أمثلة لمساندة هذا الزعم:

• في الزراعة واستخدام المحراث رفع الانتاجية وبالتالي ثراء من استخدمه.

• تدجين الحيوانات واستخدام قوتها انتاجياً.

• في الصناعة اختراع العجلة والمحاور.

• سباكة المعادن وتحويلها لأدوات كمعاول وفؤوس وسواها.

• اختراع الآلة البخارية والكهرباء وآلة الاحتراق الداخلي وخطوط التجميع.

• الاتمتة من خلال الكمبيوتر والروبت والنت وبالتالي الرقمنة الواسعة.

• الذكاء الاصطناعي، واثره الانتاجي هو الاتمتة العميقة من خلال التعاضد مع الانسان في تنفيذ مهام أو ان يحل بالكامل في تنفيذ بعض الأعمال وهذا يرفع الانتاجية لآفاق غير مسبوقة.

• الطاقة المتجددة والتقنية الحيوية.. وغيرها الكثير..

وعند النظر إلى الوضع في المملكة، فقد وضعت رؤية 2030 سياقاً ارتكز على السعي لتحقيق الاستدامة المالية، من خلال رفع كفاءة الانفاق وتنويع مصادر ايرادات الخزينة من جانب وحفز النمو الاقتصادي وتعميق التنويع والتعقيد الاقتصادي، من باب انه عندما يكبر الاقتصادي نمواً متواصلاً وتنشط عجلة الانتاج وعجلة الاستهلاك نشاطاً متواتراً، تنمو - بالنتيجة - ايرادات الخزانة نموا مستداماً، وتتحقق الاستدامة المالية بأن تُردم الفجوة. وما يبين أن هذا الحل يستهدف الأسباب الجذرية، هو أن الاقتصاد السعودي يتحول من اقتصاد نفطي إلى اقتصاد متنوع يعتمد على المنشآت الاقتصادية العملاقة والكبيرة، هذه المنشآت الاقتصادية، وهي منشآت ساعية للربح، هي أحد المرتكزات الأساس التي ينبغي رفع كفاءتها وتحسين انتاجيتها، لتحسين أداء الاقتصاد وتساهم بذلك في تحقيق الاستدامة المالية للخزانة العامة من خلال النجاح في التحول من اقتصاد يعتمد على إيرادات منشآت نفطية إلى اقتصاد يعتمد على إيرادات منشآت متنوعة «نفطية وغير نفطية».

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى