تجربة الحب السنغافورية 2/2
ذكرنا في المقال السابق كيف استطاعت سنغافورة استبدال منهج القطيعة المفضي للكراهية بين سكانها من أهل الهويات المختلفة بمنهج التواصل المفضي للمحبة. فمعظم سكان سنغافورة من المهاجرين الذين قدموا من الصين، وماليزيا، وإندونيسيا، والهند. وفيها أربع لغات رسمية هي: الإنجليزية، والصينية «الماندرين» والماليزية، والتاميلية. وتصدر الصحف اليومية باللغات الأربع الرسمية. أما الدين، فتعتقد الحكومة السنغافورية بالدور الذي يساهم به الدين في التنمية الاجتماعية والاقتصادية لسكان الدولة ذات الأديان المتعددة.
وتسمح الحكومة بالتعبير الحر عن المعتقدات والعبادات الدينية. والإسلام هو الدين الوحيد في سنغافورة - رغم وجوده المتمثل بنسبة 14-15%- الذي حظي بمجلس خاص مفوض بقانون برلماني هو المجلس الإسلامي السنغافوري الذي يقوم بالإشراف على المباني الإسلامية وأموال الأوقاف. وهو السلطة الدينية العليا، ويستشيرها رئيس الجمهورية في الأمور المتعلقة بالدين الإسلامي.
لذلك فإن السلاح النافذ والناجع لمواجهة الكراهية هو سلاح الحب في التجربة السنغافورية. لأنه سلاح يخرج من القلب، ويصل إلى القلب. مفعوله كالسحر بين الناس والمجتمعات. أو كما يقول الزعيم الروحي البوذي بوذا: إن الكراهية لا توقفها الكراهية، فقط الحب يوقفها، هذه قاعدة عالمية*. وقد ساهم في ذلك أيضاً وجود إرادة سياسية تدفع في اتجاه أنسنة المحبة وأنسنة القانون بين جميع الناس. فبعد التخلص من الاستعمار البريطاني، جاء ”لي كوان يو“ كأول رئيس وزراء لحكومة منتخبة في سنغافورة عام 1959 م.
كانت مهمته منذ البداية هي إعطاء الأمل للناس ورفع روحهم المعنوية، وبذل الكثير من الجهود ليصبح شعب سنغافورة متميزاً، شعب يمتلك مستوى عالياً من التماسك والوحدة والقوة، قادر على التكيف والعطاء والإنتاج والإبداع بصورة أفضل رغم المكونات التي يتشكل منها هذا الشعب، حيث يتكون من عدة أعراق وأجناس، إلا أن سياسة ”لي كوان يو“، النزيهة والعادلة، هي التي جعلت هذا الشعب يعيش بهذا المستوى العالي من التماسك والوحدة.
لقد ركز ”لي كوان يو“ في صناعة هذا التفوق، على إيجاد حلول غير تقليدية لمشكلات التنمية في مجتمعه، لم يستبد في رأيه، احترم رأي أصحاب الخبرة والكفاءة من الوطنيين وفضّلهم على الخبراء الأجانب، وجعل من المقترحات والأفكار الجديدة مدخلاً لحل هذه المشكلات. فمثلاً تمت معالجة مشكلة البطالة، وعندما وجد أن هناك ضرورة لأن تتحول سنغافورة إلى مركز للمعارف والمعلومات، وضع استراتيجية واضحة لتدريس العلوم والرياضيات والحواسيب في كل المدارس، وركز على أهمية اللغة الوطنية والهوية الوطنية والكفاءات المتميزة والاستفادة من تعدد الأفكار والاقتراحات، وقام بإنشاء المصانع بهدف تحقيق استقلال صناعي تام لبلده، والذي كانت نتيجته أن أصبحت المنتجات السنغافورية، تغزو العالم اليوم.
كان يهمه أن يكون الرجل المناسب في المكان المناسب. لذلك فقد أخضع المرشحون الذين سوف يصبحون وزراء، لاختبارات نفسية مصممة لتحديد معالم شخصياتهم وذكائهم وخلفياتهم الشخصية وقيمهم، وتعليله في ذلك أن الوزير الخطأ قد يدمر استراتيجية التنمية في الدولة، أوجد مبدأ ”من أين لك هذا“؟ وأعطى المحاكم صلاحية للتعامل مع البيانات التي تثبت أن المتهم يعيش حياة تتجاوز حدود إمكانياته المادية، أو أنه يملك عقاراً لا يسمح دخله بشرائه.
في المقطع المرفق إفادة مكملة للموضوع بعنوان ”تجربة سنغافورة في التعايش“: