العكاز / المجداف
إلى سادن الذكرى / عبدالخالق الجنبي.. محفوفًا بملائكةِ البحر والنخيل..
أجلَّتَ رحلتَكَ الأخيرةَ ريثما تنهي كتابة ما اشتجرتَ به من التاريخ، فامتدتْ مطامحُكَ الفتيةُ؛ لاصطياد اللحظةِ الأولى، وكم غامرتَ تمتحنُ الإرادةَ في المسافاتِ القصيّةِ، لم تكنْ إلا لوحدِكَ غيرَ مكترثٍ بصوتِ العاصفاتِ وكنتَ أقربَ ما تكونُ من المدى.
يومَ اعتليتَ السورَ طفلا في «القديحِ» كأنّ عندكَ رغبةً في الكشفِ، كنتَ تريدُ معرفةَ الحقيقةِ من علٍ.
ووقعتَ تحتضنُ الترابَ، ومن هنا بدأتْ دروسُك في هوى الأرضِ الحبيبةِ شاعرًا ومؤرخًا. وفقدتَ رجلَك؛ غيرَ أنكَ مافقدتَ العزمَ، فانتشرتْ خُطاك.. وراحَ دهرُك سائلا: ما هذهِ الروحُ التي وهبتْكَ سرَّ العنفوان؟
لم تتخذْ عكازةً إلا كمجدافٍ، وكمْ أبحرتَ ناحيةَ الغدِ الزاهي، بما أسرجتَهُ من طاقةِ الماضي إلى أن أبصرتْ عيناك أبعدَ نقطةٍ في الحُلْمِ، حين وجدتَ في أرضِ الخلودِ ثلاثَ نخلاتٍ كأثمنِ ما تبقّى في الحياة.
ها أنتَ والتاريخُ مرآةٌ تشظّتْ، فاعتكفتْ؛ لكي تلملمَ ما تناثرَ، علَّ هذا النورَ يسطعُ من جديدٍ باكتمالِ زجاجةِ الذكرى لنا. و«ابنُ المقرّبِ» صاحبٌ لكَ، حينما دافعتَ عنهُ أزحتَ عن عينيهِ غاشيةَ الدجى، وأعدتَ سيرتَهُ كما كانتْ بأشواط الرؤى.
خذْ ما تشاءُ من الوثائقِ والخرائطِ، دعْ لنا ذكراكَ تمتدُّ الحدودُ بها إلى حيثُ استعرتَ من الشموسِ ملامحَ البطلِ الجريءِ، ودعْ لنا معناكَ يخرجُ من مخابئهِ، ويبحثُ في الجهاتِ عن الصدى. قد كان ياماكانَ «عبدُ الخالقِ الجنبيُّ» آخرَ من تبقّى هاهنا من وفدِ «عبدِ القيسِ» متجهًا إلى صدرِ السماء.