حول الكراهية
الكراهية شعور كامن لدى الإنسان، فالإنسان ليس بإمكانه التجرد من المشاعر التي تتملكه. يمر الإنسان بمشاعر عديدة وإحداها الكراهية. كما يحب الإنسان يكره أيضًا، وهذه طبيعة متأصلة عند الإنسان. لكن هذه الكراهية ليس بالضرورة أن يعلن عنها الإنسان بشكل واضح. إذًا فالحديث عن الكراهية وتمظهراتها ليس مقصده فقط الالتفات حول الممارسات التي تتظاهر بها مجموعة معينة، بل يذهب أبعد من ذلك. ويمكننا رصد بعض الحالات التي تتضمن الكراهية. وكثيرًا ما يضمرُ الإنسان الكراهية، خشيةً من العواقب. فالإنسان وإن كان يتمتع بقدر وفير من الحرية إلا أن ثمة قيوداً لا يستطيع تجاوزها. فالإنسان ليس حرًا مطلقًا. لأن التعامل مع الناس والطبيعة يترتب عليه مجموعة من القيم والقوانين. إذ يقول نادر كاظم في كتابه لماذا نكره؟: صحيح أن لدى البشر - إذا كان جهاز النطق لديهم سليماً - قدرة على النطق، وصحيح أن كل البشر قادرون على الكتابة إذا ما تعلموها وأتقنوها، ولكن الصحيح أيضاً أن جميع هؤلاء يعرفون جيداً أنهم ليسوا أحراراً بالمطلق في قول أو كتابة كل شيء وبأية طريقة تعنّ لهم، وفي أي مكان وفي أية مناسبة، بل ثمة قواعد وضوابط والتزامات وأعراف وطقوس على الجميع الالتزام بمتطلباتها لحظة إنتاج الخطاب، وإلا فإن المتاعب والعقوبات بمختلف درجاتها ستكون في انتظارهم مع أية مخالفة يقترفونها.
تمظهرات الكراهية متنوعة، أي ليست على صورة واحدة. الكراهية في حالات معينة أشبه بالقناع، تُخفي صورتها الحقيقية. لأن الكراهية عندما تصبح علانية قد تكون موضعًا للحساب، فهذا ما يجعل البعض يلجأ لعبارات ترمزُ للكراهية لكنها ليست بالضرورة أن تظهر بصورة كافية. والتنمر مثلًا هو أحد تمثلات الكراهية. التنمر أحد الأمثلة الذي يُستخدم للتعبير عن الكراهية، فالسود كثيرًا ما تعرضوا للتنمر. وهنا يضعُ أصحاب الكراهية «الآخر» لممارسة الكراهية عليه. لربما من الضروري أن يضع أصحاب الكراهية - الآخر - موضوعًا للكراهية. وهنا نستشهد بما قاله نادر كاظم في موضع آخر“والكراهية، مهما كانت، هي اهتمام بالآخر والتفات إليه وانشغال به على نحو مستحكم، وربما مَرَضي”. وهذا يدعونا للتساؤل، هل من الضروري استحضار الآخر موضوعًا للكراهية؟
يجيب نادر كاظم: إذا استبعدنا، مؤقتًا، الحاجة الذاتية للتعبير عن الكراهية من أجل التنفيس، فإن التعبير عن هذه الكراهية يتطلب وجود الآخر بالضرورة، ولو أن إنساناً عاش وحيداً في جزيرة نائية لا يرى فيها بشراً لما شعر بالحاجة إلى التعبير عن كراهيته، وسيكون عليه أن يعامل الحيوانات والأشجار كبشر لتتولد في نفسه مشاعر الكراهية تجاهها، والحاجة إلى التعبير عن هذه المشاعر.
إذًا لا خلاص من الكراهية. الكراهية متجذرة في النفس الإنسانية. تحتاجُ الكراهية أن تُفَّرغ لكي لا تبقى حبيسة الإنسان، فالإنسان لا يستطيع أن يبقى حبيس المشاعر التي ترهقه. لكن ماذا لو طغت الكراهية على الإنسان؟ وهنا تكمنُ خطورة الكراهية. فالحاجة إلى تفريغ الكراهية لا تقل أهمية عن حصول الإنسان على الحب. ومن الصعوبة جدًا أن يستطيع الإنسان التحكم في كراهيته، وما أن تطغى كراهيته تُحدث الصراعات. ويكفي أن نتأمل الصراعات التي يحدثها الإنسان وكيف تتولى الكراهية المهمة التي تقوم بها. فالإنسان عندما سلك مسار الكراهية كفر الآخر وأقصاه ومارس العنف. ولكي لا نكون ممن يميلون إلى الكراهية، أرى أننا بحاجة أن نتأمل ذواتنا ونمارس نقدنا عليها ونتخفف من المشاعر التي أثقلت كاهلنا ونسعى لضبط النفس وتهذيبها.